يقال في الأثر "من أراد أن يستن فليستن بمن قد مات، إذ الأحياء لا تؤمن عليهم الفتنة" هذه المقولة تصدق فيما حصل لي قبل أيام فأنا كنت من المعجبين بالدكتور محمد غانم الرميحي وبكتاباته رغم أنني لم أقابله يوما في حياتي. كتب في كتابه "الخليج ليس نفطا" مصطلحا سماه "وثنية النماذج" يتحدث فيه عن الأطروحات التي يستخدمها الباحثون في العالم الثالث وينقلونها من الغرب، لا أريد الحديث هنا عن فكرته وإن كنت أدعو القراء للاطلاع على الكتاب ففيه من الأفكار ما ينفعهم. "وثنية النماذج" التي هنا تأتي بمعنى ألا يتخذ الشباب رموزا لا تزال حية بيننا فتجربتي مع الرميحي مختلفة تماما عن تجربتي مع د. خلدون النقيب رحمه الله لأن خلدون النقيب يكبر قدره في قلبي من خلال كتبه بينما الرميحي سقط سقطة أخلاقية مدوية في الأيام الماضية من خلال ما نشره في مجلة آراء الخليج بتاريخ ٢٨-٦-٢٠٢٢ هذه المجلة تابعة لمركز دراسات الخليج الذي يقيم مؤتمره السنوي في جامعة كامبردج ويرأسه د. عبدالعزيز بن صقر. في مقال الرميحي في مجلة آراء الخليج سرق الرميحي جهدي وعملي من خلال تحوير مصطلح "القوى المرجحة" إلى ما سماه "القوى الرديفة" و "القوى الجديدة" في أحيان أخرى وكذلك كتب مصطلح "القوى المرجحة" مرة واحدة في المقال. خلال هذا المقال سأبين هذه السرقة العلمية من خلال تبيان أن الرميحي رغم عدم معرفته بالقواعد الأكاديمية وقبلها الأخلاقية للكتابة العلمية لم يكترث لذلك وكابر مع مجلة آراء الخليج على الخطأ مما دفعني لكتابة هذا المقال دفاعا عن الفكرة وعن حقوقي الأدبية.
في مرحلة الدكتوراه التي بدأتها في عام ٢٠١٣ وقبل البداية في الكتابة ألزمتنا جامعة اكستر أن نحضر ونفهم المعايير الأخلاقية للأكاديميا وندرك أن أي سرقة علمية من خلال السطو على أفكار الآخرين دون الإشارة لهم نتيجتها الفصل من الجامعة لأن سرقة جهود الآخرين لا يجب أن تمر مرور الكرام. أتممت دراستي للدكتوراه في عام ٢٠١٧ ونشرت بالتعاون مع جامعة إكستر رسالة الدكتوراه التي حاولت فيها إعادة قراءة تاريخ الكويت السياسي والاجتماعي ومن خلال البحث ظهر عندي مصطلح "القوى المرجحة" الذي نشرته باللغة الإنجليزية في كتاب صدر عام ٢٠١٩. ولكون شريحة كبيرة من القراء لا يقرؤون الإنجليزية ناهيك عن سعر الكتاب المرتفع وفرت لي منصة جدلية مشكورة نشر مختصر فكرة الكتاب معهم فنشرت بتاريخ ١٠-٢-٢٠٢٠ مقالاً بعنوان "القوى المرجحة".. إطار تحليلي جديد لتاريخ الكويت الحديث" أي قبل نشر الرميحي لمقالته بسنتين شرحت فيه فكرة القوى المرجحة باختصار غير مخل. هذا المقال وبعد نشره مع جدلية دفع "مركز مؤرخ" في الكويت مشكورا لتبني ترجمة الكتاب للغة العربية والذي سينشر في ٢٠٢٣.
في مقالي مع جدلية ذكرت ما نصه:
"وباختصار؛ يمكن تحديد ثلاث مراحل في تطور الدور السياسي "للقوى المرجحة": المرحلة الأولى؛ وهي مرحلة "التكوين" عندما كانوا من أتباع القوتين الرئيسيتين: الشيوخ والتجار، دون التمتع بالقدرة على تغيير المشهد السياسي. والمرحلة الثانية؛ هي مرحلة "النمو" حيث كان لهم مساهمة مباشرة في المشهد السياسي، رغم أنهم لم يلعبوا دوراً مباشراً في عملية صنع القرار. والمرحلة الثالثة؛ هي مرحلة "التمكين" عندما أصبحوا جزءاً من اللعبة السياسية، وكان لهم صوت في دستور 1962 ففازوا بأغلبية مقاعد الجمعية التأسيسية."
وجاء الرميحي في عام ٢٠٢٢ وكتب ما نصه:
"وباختصار؛ يمكن تحديد ثلاث مراحل في تطور الدور السياسي "للقوى الرديفة ": المرحلة الأولى؛ وهي مرحلة "التكوين" عندما كانوا من أتباع أحد القوتين الرئيسيتين: الشيوخ والتجار، دون التمتع بالقدرة على التأثير في المشهد السياسي. والمرحلة الثانية؛ هي مرحلة "النمو" حيث كان لهم مساهمة مباشرة في المشهد السياسي، رغم أنهم لم يلعبوا دورًا مباشرًا في عملية صنع القرار. والمرحلة الثالثة؛ هي مرحلة "التمكين" عندما أصبحوا جزءًا من اللعبة السياسية، وكان لهم صوت في دستور 1962م، ففازوا بأغلبية مقاعد الجمعية التأسيسية."
يلاحظ القارئ أن الرميحي كتب ما كتبته أنا نصا في مقالتي المنشورة على جدلية وقع الحافر على الحافر ومن المضحك أنني كتبت «الجمعية التأسيسية» عن طريق الخطأ وكنت أقصد «المجلس التأسيسي» ومع ذلك لم يكلف الرميحي عناء تعديل هذا الخطأ المطبعي حتى يجمل سرقته! لم يتوقف الرميحي عند النقل المباشر لفكرتي بل تجاوز ذلك ليغير بعض تسميات الفئات التي تكونت منها القوى المرجحة. فأنا قد ذكرت "القرويين" وهو سماهم "المزارعين" وسمى "البدو" "أبناء القبائل" و"القوى العاملة" غير تسميتهم الرميحي إلى "الصناع".
لم يتوقف الرميحي عند هذا الحد بل كان كسولا فلم يغير كثيرا من بعض الجملة إذ كتبت أنا " والثاني؛ ظهور المثقفين في طليعة حركة معارضة جديدة للسلطة، خاصة أنه في الثلاثينيات والأربعينيات تطور النظام التعليمي في الكويت بشكل ملحوظ، بعد وصول البعثات الفلسطينية والمصرية إليها. وهكذا شهدت هذه المرحلة الثالثة ظهور "القوى المرجحة" كقوة سياسية فعالة على حساب الطبقة التجارية التقليدية. وأصبح هذا واضحًا في المجلس التأسيسي لعام 1961".
في مرحلة الدكتوراه التي بدأتها في عام ٢٠١٣ وقبل البداية في الكتابة ألزمتنا جامعة اكستر أن نحضر ونفهم المعايير الأخلاقية للأكاديميا وندرك أن أي سرقة علمية من خلال السطو على أفكار الآخرين دون الإشارة لهم نتيجتها الفصل من الجامعة لأن سرقة جهود الآخرين لا يجب أن تمر مرور الكرام.
وكتب هو "والثاني؛ ظهور المثقفين في طليعة حركة معارضة جديدة للسلطة، خاصة أنه
في الثلاثينيات والأربعينيات حيث تطور النظام التعليمي في الكويت بشكل ملحوظ، بعد وصول البعثات التعليمية الفلسطينية والمصرية إليها وأيضا إرسال بعض البعثات إلى الخارج كبغداد والقاهرة وحتى أوروبا. وهكذا شهدت هذه المرحلة ظهور "القوى الجديدة " ممثلي الطبقة الوسطى كقوة سياسية فعالة على حساب الطبقة التجارية التقليدية، أو ما يمكن أن يسمى الطبقة الوسطى اصطلاحا، وأصبح هذا واضحا في المجلس التأسيسي لعام 1961م".
يبدو أن الرميحي نسي أنه سمى قواه بـ"الرديفة" فكتب بدلاً عنها "القوى الجديدة" وفي مرة واحدة من الكسل نسي فكتب "القوى المرجحة" حين قال: "كان لهذه القوى الاجتماعية -إلى جانب الشيوخ والتجار-دور حاسم في التطور الدستوري لدولة الكويت؛ فإن عملية تحديد المجموعات التي تتألف منها "القوى المرجحة" اليوم مهمة معقدة، ليس فقط لوجود درجة كبيرة من التداخل بين مختلف الفئات الاجتماعية." وهي عبارة كذلك أخذها من مقالي المنشور مع جدلية " "ورغم أنه كان لهذه القوى الاجتماعية -إلى جانب الشيوخ والتجار- دور حاسم في التطور الدستوري لدولة الكويت؛ فإن عملية تحديد المجموعات التي تتألف منها "القوى المرجحة" مهمة معقدة، ليس فقط لوجود درجة كبيرة من التداخل بين مختلف الفئات الاجتماعية."
وعلى الرغم من هذه السرقة العلمية الواضحة وبعد أن وصلتهم الشكوى كان رد مجلة آراء الخليج كالآتي:
"سعادة الدكتور/عبدالرحمن محمد الإبراهيم الموقر
تحية طيبة وبعد
بخصوص رسالتكم السابقة نحن لسنا جهة فصل في مضمون المقالات المقتبس والمسروق منها، نحن جهة نشر والقضاء هو جهة الفصل في مثل هذه القضايا.
ولكم خالص التحية
إدارة التحرير."
لذا أدعو الباحثين المهتمين والمختصين في دراسات الخليج بمقاطعة المجلة والمركز وكذلك مؤتمرهم السنوي في جامعة كامبردج وقد بدأت بمراسلة جامعة كامبردج وكذلك جامعة اكستر وناشر الكتاب لاتخاذ خطوات أخلاقية وأكاديمية تجاه الرميحي وتجاه المركز ورئيسه إذ أن رد المركز يعطي مؤشرات أن الجانب الأخلاقي ليس من ضمن سياساته ومعاييره.
هي قوى مرجحة وليست رديفة يا دكتور
عندما نشرت مقالي عن مجلس ١٩٣٨ مع مجلة أسطور حاولت شرح فكرة القوى المرجحة باختصار وأعيد نشر هذا الشرح هنا من باب الفائدة. القوى المرجِّحة إطار تحليلي لتاريخ الكويت يهدف إلى إبراز دور المُهَمّشين الذين أغفلتهم الدراسات الأكاديمية السابقة . لم يولِ المؤرخون اهتمامًا كافيًا لدراسة دور المجموعات الاجتماعية المختلفة في الأحداث السياسية في الكويت قبل الاستقلال، على الرغم من أنها كانت تشكل غالبية سكان الكويت خلال تلك الفترة. وكان من بين هذه المجموعات على امتداد تاريخ الكويت علماء الدين والغواصون والقوى العاملة والبدو والقرويون والشيعة (العرب والعجم) والمثقفون.
إن الرواية التاريخية السائدة تصف هذه الجماعات بأنها جماعات معزولة عن الحياة السياسية وجوانب المجتمع الأخرى. ومع ذلك، يؤكد البعض أن هذه الجماعات كان لها دور مهم في القوى المرجِّحة. ما القوى المرجِّحة؟ ولماذا نسمّيها كذلك؟ من المعروف لدى الباحثين في تاريخ الكويت أنّ معظم الدراسات التي ناقشت تاريخ الكويت السياسي تُركّز على وجود قوتين رئيستين فاعلتين في تاريخ الكويت الحديث: الشيوخ والتجار. هذه الفرضية صحيحة لكنّها غير دقيقة، فعلى الرغم من إقرارنا بأنّ الشيوخ والتجار كانوا قوّتين رئيستين، فإنّ هذا التعميم يتضمّن إشكالات منهجية كبيرة.
تشير القوى المرجِّحة هنا إلى أطراف اجتماعية فاعلة مؤثرة في المشهد السياسي، وهي تنتمي إلى مختلف شرائح المجتمع الكويتي، لكنها لا تنتمي إلى الأسرة الحاكمة، ولا تنتمي إلى فئة الطبقة التجارية المؤثرة تاريخيًا. ونقصد بالطبقة التجارية المؤثرة تلك الطبقة التي ذكرتها المصادر والوثائق في مشاركتها في صنع القرار السياسي الكويتي منذ نشأتها.
وتشير القوى هنا إلى القدرة على تغيير المشهد السياسي، والتأثير فيه بفاعلية خارج إطار القوتين الرئيستين في التاريخ الكويتي؛ هذه القدرة قوتها وضعفها يختلفان باختلاف الفترات الزمنية والعوامل المؤثرة المصاحبة لها مثل الهجرات، وكذلك تبدل النمط الاقتصادي والأوضاع السياسية وعوامل أخرى سيناقشها البحث. أما كلمة مرجِّحة (موازنة)، فتتضمن مفهوم الحركة والتقلب بين قوتين بسبب قوة خارجية أو داخلية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن كلمة المرجِّحة لا تشير إلى الوزن، ولكنها تشير إلى الميل. ومن ناحية أخرى، تشير كلمة قوى هنا إلى فكرة الحبل نفسها، الذي يقوى بخيوطه، والذي من شأنه أن يتأرجح ويتمايل بين قوتين رئيستين؛ ما يؤدي في النهاية إلى تأرجح القوة نحو إحداهما. ولا يمكن أن يحدث هذا التقلب إلا في وجود قوة أخرى لا يمكن أن يحدث التوازن من دونها.
ولذا فإن تسميه الرميحي للقوى بأنها "رديفة" أو "جديدة" يدل على أنه حتى عندما وجد أن الفكرة تستحق أن تسرق لم يكلف خاطره بالقراءة عنها وفهمها حتى يستطيع الكتابة بشكل أدق. إن القوى المرجحة ليست قوى رديفة فالقوى الرديفة هي قوى احتياطية تابعة فهي تأتمر بأمر القوتين الرئيسيتين الشيوخ والتجار وهذا أمر غير دقيق وفي بعض الأحيان غير صحيح، كما أن هذه القوى ليست جديدة قطعا فهي لها وجود ولها ثقل وتأثير في التاريخ الكويتي ربما يكون دورها جديد على الرميحي لكنها ليست جديدة على المشتغلين بالتاريخ المحلي.
أود أن أشكر في نهاية المقال موقع جدلية على إتاحة الفرصة لي للدفاع عن حقوقي والشكر موصول لـ سنان أنطون وسلطان العامر وطلال الرشود ولؤي اللاركيا وذياب الحامد وعبدالرؤوف مراد وجميع من تفاعل مع تغريداتي في تويتر ونشر ما كتبته.
https://www.jadaliyya.com/Details/44443/%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%AC%D8%AD%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AF%D9%8A%D9%81%D8%A9-%D8%A3%D9%8A%D9%86-%D8%B3%D9%82%D8%B7-%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%BA%D8%A7%D9%86%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%85%D9%8A%D8%AD%D9%8A
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق