السبت، 18 يونيو 2016

ترانيم أعرابي: ها قد عاد رمضان

صراحة لن أكون كغيري من الكتّاب الذين يكررون بقصد أو بدون قصد عبارات مستهلكة مثل "رمضان شهر التغيير" أو "عند دخول رمضان عندك فرصة للإقلاع عن التدخين والعادات السيئة"، أو تلك العبارة التي لا أطيقها أبداً "رمضان شهر الصيام والعبادة لا المسلسلات والتلفاز". بمثل هذه العبارات نشجع الناس على الاتكال على قدوم شهر رمضان للتغيير، نعم قد يقول قائل هناك كلمات تدل على أن التغيير طوال العام، لكن رمضان هو بداية هذا التغيير.
الإشكال عندي هو أن شهر رمضان أصبح عند الكثير من الكسالى فرصة تبرير ومنحة تكاسل وصك براءة من تقصيرهم، رمضان بكل تأكيد هو شهر الرحمة وشهر التغيير وهو شهر مبارك من عند الله تعالى، ففيه الرحمات تنزل وفيه السكينة تسكن نفوسنا، وفيه الروحانية تحوفنا وتغطينا، لكنه ليس شهر العجائب ولا شهر التغيير دون عزم صادق ونية حقيقية وصبر على آلام التغيير.
هناك مثل إنكليزي يقول "باستطاعتك أن تأخذ الحصان إلى النهر لكن لا يمكنك أن تجبره على الشرب"، وهذا المثال ينطبق بالضبط على ما يحاول بعض المثقفين أو الآباء والأمهات فعله مع من يسمعون لهم، فهم يشرحون لجمهورهم بأن كل شيء ممكن في رمضان دون أن يقنعوهم بأهمية التغيير، أو ربما دون أن يدركوا أن هذا الجمهور، سواء كان ابناً لك أو متابعاً لك في وسائل التواصل الاجتماعي، قادر فعلا على التغيير ويمتلك الأدوات التي تعينه. 
"الإرادة تصنع المستحيل" بكل تأكيد، وهناك الآلاف من القصص التي تبرهن هذه الجملة، لكن هناك شيء واحد يشترك فيه أصحاب الإرادة الحديدية، وهو اقتناعهم بما يقومون به ومحبتهم له، وإلا لكانت مشاريعهم فاشلة كمشاريع كثيرة أخرى في هذا العالم.
رمضان هو شهر الخير والخير فيه عظيم، وهو بلا شك فرصة سانحة لكل من يريد أن يجدد حياته أو يغيرها، لكن بشرط ألا يكون أساس هذا التغيير العاطفة فقط، إنما التخطيط والاقتناع والرغبة. 
تذكر عزيزي القارئ كم مرة غيرت فيها سلوكا عندك في رمضان لكنك عدت إليه بعد ذلك، أو سامحت شخصا دون أن تكون مقتنعا بالتصالح ثم تفاقمت المشكلة، أو ربما تحولت أنت بكاملك من شخصية إلى شخصية أخرى لكنك نكصت على عقبيك بعد ذلك! كل هذه المحاولات الفاشلة، من وجهة نظري، كان سبب فشلها الأساسي هو التغيير دون قناعة، وأذكر أنني مرة كنت أشاهد برنامج "خواطر" مع صديق، وكانت الحلقة عن احترام الوقت، وبدأ بالحديث عن الخطأ الذي يرتكبه في عدم احترامه للوقت، وأنه قرر أن يتغير، لكن بعدها بأيام بدأ يجد المبررات لعدم التزامه بالوقت! لماذا لأن قراره كان عاطفيا ولم يكن مبنيا على اقتناع تام وقناعة!
يقول الدكتور الكريباني في كتابه "هكذا أصبحوا عظماء": "إن العظماء لم يكونوا يملكون دماغاً ذا خصائص مختلفة، ولم يكن لديهم زيادة في الإشارات الكهربائية أو زيادة مفرطة في التوصيل، كانوا بشراً مثلنا بل ربما أقل منا قدرات وإمكانات، بيد أنهم كانوا يسيرون بخطى مقننة وإرادة فولاذية". وقد سئل أديسون في أواخر حياته: "ما أسباب نجاحك؟ فقال: القراءة الدائمة بلا انقطاع والعمل الدائم بلا يأس". 
لا أعرف ناجحاً يائساً، ولا ناجحاً متشائماً، الناجحون لا يستمعون إلى أصوات التقزيم والتحبيط، الناجحون لا يعرفون الاستسلام، هم أشد الناس معرفة بقدرة ذواتهم وأكثرهم دأباً وأملاً وتفاؤلاً، اجعل من أذنك غربالاً يعزل كل قول متشائم وصوت مستهزئ، واجعلها لكل قول حسن وصوت مشجع مستمعة.
شهر رمضان هو شهر التغيير لمن اقتنع ثم بادر ثم صبر، هو شهر البداية لمن خطا خطواته الأولى بقناعة، وهو شهر الرحمة لمن طلب من الله تعالى وتضرع له بأن يعينه على تغيير حياته، لأن الله عز وجل يقول: "وعلى الله فليتوكل المتوكلون". 
شوارد:
"ليس للاقتناع قيمة إذا لم يتحول إلى سلوك".
"توماس كارليل"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

إلى لقاءٍ يا فهد

    الموت هو ذلك الزائر الذي لا يقوى عليه أحد من البشر! ، يأتي للمستبد المتجبر فيسلب منه روحه دون مقاومة أو حرب! وهو ذاته الذي يز...