السبت، 4 أكتوبر 2014

والله لا أكرهك!



منذ ما يزيد عن المئة يوم وقلمي لا يطاوعني على الكتابة، كنت أفكر هل السبب هو عدم وجود الحافز في نفسي أم أن القلم يصيبه الجمود دون ميعاد!، فكرت وفكرت وفكرت لكنني بكل صراحة لم أجد سببا لهذا الجمود سوى انني لا أريد أن أكتب! واكرام النفس هواها فتركت القلم دون أن أخشى عليه من الجفاف اذ أن البدائل موجودة والأحبار تملأ السوق!

ما دعاني للكتابة في يوم العيد عن موضوع الكراهية هو أنني شاهدت كمية المحبة والمودة الكبيرة صباح اليوم وهو أمر ملأ نهاري بالبهجة وأضاف عليه الرضا والحبور، فكرت في حال أشخاص تجاهلوني في يوم العيد، نعم أعترف بأنني لم أكترث بالذهاب للسلام عليهم لكن في ذات الوقت لامس مشاعري تجاهلهم فأسباب الصد ليست من طوام العمل فيما أذكر!

مجتمعاتنا الخليجية بشكل خاص والعربية بشكل عام مبنية على المجاملات الاجتماعية الجميلة في مجملها لكنها في العقود الأخيرة بدأت تتجه باتجاه النفاق الاجتماعي ، فبعدما كان الكرم ميزة من ميزات العرب جاء جيل النفط فجعله من أسباب خراب البيوت وتحمل ما لا طاقة للإنسان به ووسيلة من وسائل التفاخر الاجتماعي!، في ذات الوقت كان التواصل والتراحم الأسري والمجتمعي أحد أهم مميزات العرب فحوله أرباب الوتس أب إلى تناحر مجتمعي وازعاج غير مبرر وربما سببا من أسباب القطيعة، هذه الديباجة لأنتقل لفكرة طالما اشغلتني ما هو الفارق بين المجاملات الاجتماعية والنفاق المجتمعي!
بصراحة لم أقرأ لمتخصصين في هذا المجال كثيرا لكن من واقع تجربتي كوني جزء من هذا المجتمع وجدت أن الدوافع الشخصية بدأت تطغى على الأهداف النبيلة التي كانت مصدر مجاملاتنا الاجتماعية بمعنى أن الكرم في السابق كان منبعه ومصدر محبة الآخر والأجر الذي ينال الكريم من ربه والسمعة الحسنة الطيبة التي سيرثها أبناء الكريم من بعده ولنا في حاتم طي أو سادتنا عبدالرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وغيرهم من الصالحين والتابعين ، وحتى في العصر الحديث وفي تاريخ الكويت تحديدا قصة "معشي العوسج" وهي من قصص الكرم التي خلدت اسم صاحبها حسين بن علي ال سيف الرومي ومختصرها هو أن هذا التاجر المتوفى سنة ١٩٣٦ شاهد خلال رحلة برية له قبيل الفجر سوادا حسبه أنهم قوم من البدو قادمون باتجاه المخيم فما كان منهم الا أن ايقظ أهل المخيم وذبحوا الذبائح وطبخوها بانتظار قدوم ركب البدو ولكن عندما أشرقت الشمس لم يكن هناك سوى نبات العوسج وهذا النبات يكثر في بداية الكويت في السابق.
هذه القصة وغيرها من القصص الكثيرة التي تمثل إرثا ثقافيا وتاريخيا نفتخر به شوهها بعض أفراد جيل النفط عندما صارت الحياة أسهل وكسب البطولات قد يكون من مسافات بعيدة كما يفعل ثوار تويتر الوهميون اليوم، هذه الأسباب وغيرها أجبرتني على تطليق المجاملات الاجتماعية بالثلاثة منذ ٧ سنوات دون أن اكترث لما يقوله الآخرون عني معتمدا على مقولة جميلة قرأتها ولا أذكر بصراحة أين يقول كاتبها 
"لا تجبر نفسك على مراضاة الجميع فقط أرضهم بما تجده انت صحيحا وان لم يوافق رغباتهم، فلا تتنازل عن مبادئك لمراعاة شعور الآخرين"، أعترف انني منذ سبع سنوات صنعت لي شخصية وهمية اسميتها جورج! وهي كناية عن تعامل الأجانب مع بعضهم بكل صراحة لكنني أضفيت على جورج لمسات شرقية وحددت مهامه بأعمال محدده ربما أتحدث عنها في مقال قادم.
مشكلة الكثيرين أنهم لا يفرقون أن الرأي والمبادئ لا يتحمل المجاملات الاجتماعية فمن يؤمن بشيء ويجامل فيه مخافة زعل فلان أو غضب علان عليه أن يراجع اعتقاداته فلعله جامل في الايمان بهذه المبادئ، المجتمع اليوم لا يفرق بين عدم الاحترام وبين الاختلاف في وجهات النظر وهذا خلل عظيم ينتج عنه هدم للعلاقات ودفن للمودة وقتل للتواصل، الخلاف في وجهات النظر مهما بلغت حدتها يجب أن تكون في إطار الموضوع الذي يتم النقاش فيه ولا ينتقل للنفوس فيتحول لصراع شخصي وانتقام للذات يضر ولا ينفع.
أعود للأحباب الذين تجاهلوني يوم العيد في المصلى لأضرب مثالا عليهم عل المثال يوضح مغزى المقال، أنا أدرس التاريخ السياسي ومؤمن بأن العدالة والمساواة والحياة الكريمة يجب أن يعيشها الجميع سواء كانوا من أصحاب الإرث التاريخي الارستقراطي أم كان إرثهم أن كانوا عبيدا وخدما يوما ما فالإسلام والأخلاق والإنسانية جميعهم يدعوننا لأن نعيش في اطار متساوي ويعلم الله أنه كلما مر في بالي حديث النبي صلى الله عليه وسلم "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" وجدت الكثير من الفخر والاعتزاز بهذا الدين، مشكلتي تكمن في صراحتي مع الأحباب المتجاهلين يسألونني عن تخصصي ويستفسرون مني عن مبادئي وعندما أصارحهم بما لا يعجبهم بالدليل والحجة التي قد تكون عندهم ضعيفة لكنها تبقى في اطار الحجة أجدهم ينفرون مني رغم أن القضية كانت مشكلة رأي.

أحد الأصدقاء نصحني بقولة " عامل كل انسان على حسب عقله فهناك الكثير ممن يدعون الثقافة عقولهم كحبات السمسم"، كلام صديقي صحيح إذا كان الأمر لا يتعلق بالمبادئ التي أحملها فقد أجامله في قضية عشاء أو غداء وربما أتجاوز عن كلام غير موزون منه لكن أن اسكت عندما يتعرض للأفكار التي أؤمن بها وينتظر مني سكوتا من باب المجاملات الاجتماعية هنا أجد نفسي غير مضطر لهذا وان خسرت العالم كله!
أحدهم يقول هل نستطيع أن نمدح شخصا ونذمه في نفس الوقت ألا يعتبر هذا نفاقا!، بكل تأكيد لا يعتبر نفاقا فابن القيم رحمه الله في أعلام الموقعين يقول "والله تعالى يحب الانصاف بل هو أفضل حلية تحلى بها الرجل خصوصا" ولذلك قيل ان الانصاف عزيز ولا يقدر عليه كل أحد، من أظهر أن انصاف المخالف هو من النفاق والعيب هي قنوات التلفاز وأنصاف المثقفين الذين يدفع لهم ليتحدثوا فصار مدح المخالف عن أشباه العلماء أو أنصاف القادة هو من عدم الولاء وخروج عن البراء في كل مسائل الحياة دينية كانت أو دنيوية ومن هنا نشاهد أن أقل الناس متابعة هم الذين يتمسكون بمبادئهم حتى مع أعدائهم.

ختام القول ليتنا ننشر ثقافة أنا لا أكرهك أن فقط أختلف معك، وفي ذات الوقت أنا من الذين يؤمنون ويطبقون هذا المثل (من عافنا عفناه ولو كان غالي) خصوصا إذا كانت أسباب نفوره هي اختلاف في الرأي، ولنتذكر كلمات غاندي: " الاختلاف في الرأي ينبغي ألا يؤدي إلى العداء، وإلا لكنت أنا وزوجتي من ألد الأعداء."




هناك تعليق واحد:

  1. مقال رائع ... لامس وجداني .. شكرا لك بومحمد ... وللعمر احكام بومحمد ... نحن اصبحنا نمل الصخب والازعاج والحديث الكثير ... وقد تتقلص دائره الاصدقاء الى اقل من عدد يدك الواحده ليس بسبب عيب بالاخرين لكن هؤلاء تجد لديهم الراحه

    بوفهد الصالح

    ردحذف

مشاركة مميزة

إلى لقاءٍ يا فهد

    الموت هو ذلك الزائر الذي لا يقوى عليه أحد من البشر! ، يأتي للمستبد المتجبر فيسلب منه روحه دون مقاومة أو حرب! وهو ذاته الذي يز...