السبت، 9 يوليو 2011

همسات بصوت مرتفع


أضع يدي على الكيبورد الآن ولا أدري لماذا ، أسمع صوت داخلي يقول لي أحترم عقول من يقرأ لك وفي الوقت ذاته صوت آخر يقول اتركه يكتب ففي الحروف سلوى لخاطره وراحة لباله ، ما الذي يجعلني الجأ للكتابة سؤال طرأ لي هل نكتب نحن عادة لأننا نريد التعبير عما يختلج في نفوسنا أم أننا نكتب لننقل معلومة إلى الآخرين فنفيدهم .

وربما نكتب لأن الله وهبنا قوة في التعبير وتسلسلا في الأفكار قد لا توجد عند غيرنا ، هل الكتابة تعبر فعلا عن دواخلنا ومشاعرنا يقال أن الكاتب يستطيع أن يعبر بحروف لا تمت إليه بصله ويسطرها معزوفة توازي سيمفونية بيتهوفن وهو في النهاية غير مقتنع بها ولكنه كتبها لظرف ما!

عندما نغضب من شيء -والحديث الآن عن من يمسكون الأقلام- نسرع لسن أقلامنا ونذهب بها لأرض المعركة البيضاء ونبدأ بالكتابة على الورقة التي سرعان من يسيل الحبر على جنباتها فيزيدها جمالا .

معركتنا على الورق في حالة الغضب تمثل الطرف الآخر الذي أثار أعصابنا وكدر هدوئنا ونزع الجمال من مزاجنا ، فيسترسل الكاتب بكل قوة حتى يفرغ كل شحنات الغضب الموجودة فيه على جسد الخصم أو الورقة ، وربما مزق الورقة مرات عديدة وفي كل مرة يحس بشيء من نشوة الانتصار لأنه آذى خصمه



في بعض الأحيان نكتب لأن فكرة تجول في خواطرنا ولا نستطيع التخلص منها إلا بكتابتها وهذه الفكرة قد تمثل سطورا قصيرة لا تصل إلى مستوى الفقرة ولكنها توصل رسالة واضحة تعبر عما يجول في الخاطر للآخرين وأذكر أنني كتبت في الجمعة الماضية كلمات كانت تدور في فلك عقلي وسطرتها في رسالة هاتفية قلت فيها:

((نرى في زمان العجائب الذي نعيشه الكثير من البشر انعكست مفاهيمهم فصار صاحب الخلق ضعيف الشخصية ، وطيب القلب هو الساذج ، وذو المروءة هو المغفل الذي يفعل الأشياء بالمجان ، والصريح في الحق صار دون أدب ، أما الكريم فهو الغبي الذي يدفع دون أن يأخذ فكيف لا نعجب من عجيب هذا الزمان)) .


كتبتها لأنها أشغلت عقلي وأحسست بضرورة التخلص منها إلا أنها تركت انطباعات لدى الكثير ممن وصلتهم فمنهم من اتصل مستفسرا هل قصر في شيء ، ومنهم من اتصل معتذرا رغم أنني لم أكن اقصد أحدا ولكن عقله فهم الرسالة الهاتفية على أنها رسالة مبطنه له ومنهم من قطع العلاقة بحجة تجريحه لدى الغير! ، أقول لكم بكل صراحة استمتع بجمعتي لأنني فهمت عقليات كثيرة والسبب حروف خرجت دون ميعاد.

قد نكتب لأن موقفا أثر بنا أو حادثا صار أمامنا وأذكر أن أحد أصحابي اتصل بي وشعرت أنه على غير عادته سمعت صوت البكاء في ضحكاته المتصنعة وهو رجل التقيته في غربتي فوجدت فيه أخوه صادقة راقية.

كتبت إليه مشاعري وأقول مشاعري لا شعري لأنني لا أفهم في الشعر وبحوره وإنما أعرف أنني استطيع أن اعبر عن مشاعري بما يشبه الأبيات قلت له:

أيا عامراً أيا صاحبي / هلاّ قلت لي ما الذي جرى

هلاّ قلت كم عانيت وكم / بعد الفراق من حزن سرى

فلا تبتئس مما قد مضى / وانثر دموعا في ذاك الثرى

واذكر بأني لا أنسى وداد/ الحبيب مهما الزمان جرى



وعلى النسق ذاته كنت جالسا في غرفة المعيشة سارحا في خيالي وقد سبق جلوسي غضبي على شقاوة أبنائي محمد وسعد فرآني محمدا فقال أبي إذا كنت حزينا لأني مشاغب فأعدك بأني سأكون مهذبا .

فقلت له كل يوم تعدني مثل هذا الوعد فقال هذه المرة غير لأني أكلمك ولا ترد علي ولم يوصله عقله الطفولي أن المبحر في بحر الخيال لا يرى سوى السراب فقلت على لسان محمد :
أبي هيا قلي ماذا تريد ..وقل لي بأني أفل الحديد...لأني أراك بغم شديد ...ودمعك يصرخ هل من مزيد....أبي إن قلبي صغير على....تحمل عبء الزمان الجديد..
وهذا أخي يرتجي فرحاً...فلا تبخلن عليه بعيد...فعيد الطفولة يوم نراك ....بوجه بشوش جديد سعيد...وكن يا أبي صارما حازما...فهذي الحياة تحب العنيد.


وقد نكتب لأننا نريد أن نكتب كما يحدث معي الآن وأذكر أنني كتبت مقالا بعنوان حروف ضائعة قلت فيه :

لا أعرف من أين أبدأ ولكني سأبدأ من حيث تضع حروفي متاعها ، لأول مره أكتب دون أن أعرف عن ماذا سأكتب أو لماذا أكتب ، هل موضوع الكتابة هو مجرد فضفضه وتخفيف الضغوطات التي يحس بها عقلي؟ ، أم أن الأمر هروب مبرمج من واقعي ومحاوله لإخفاء حزنٍ مخفي بين أضلعي صدقوني لازلت لست أدري.


هل فقدت الصديق الذي يسمع شكواي ويفندها ومن ثم يضع الحلول المناسبة التي ترضيني وتجعلني أمارس حياتي كما أريد لا كما تفرضها علي ظروفي ، أفكر أحيانا أن الهروب للحروف والكلمات والسطور.

ماهو إلا محاوله إيجاد صديق صامت يكتب ما تريد دون أن يعترض على شيء ، أيحتاج أحدنا أن يصادق أخرسا أبكما في بعض لحظات حياته!


همسة أخيرة أكتبوا كل ما تريدون بشرط أن تكون الرغبة هي التي تقودكم ولا تكونوا كحالي الآن أكتب مكرها لأنني أريد أن اكتب ورغبتي غاضبة مني ، حاولت مغازلتها والتودد إليها ولكنها عنيدة لا ترضى بسهولة فأحببت أن أعطيها درسا أن عنادها لا يفوق رغبتي في مسك القلم :)

دمتم بخير

هناك 4 تعليقات:

  1. أستاذي الكريم
    سطرت لنا مقالة رائعه وكأنك تقولها على لسان الجميع

    فعلا فكل ماذكرت يمر بالكاتب
    وفي بعض الأحيان يقيده ويحيره بين اختيار الإجابه المقنعه ..!


    هنآ فيض من الإبداع
    استمتعت جدا بالقراءه ..

    موفق ودمت بخير ..

    ردحذف
  2. والشكر موصول لك اختي الكريمة على قراءة المقال والتعليق :)

    أهلا بك دائما

    ردحذف
  3. كلام رائع جدا واسلوب جميل والمدونة رائعة شكرا لك واتمنى لك التوفيق ....

    ردحذف

مشاركة مميزة

إلى لقاءٍ يا فهد

    الموت هو ذلك الزائر الذي لا يقوى عليه أحد من البشر! ، يأتي للمستبد المتجبر فيسلب منه روحه دون مقاومة أو حرب! وهو ذاته الذي يز...