الجمعة، 23 مارس 2012
هل أنت مُعَرّبِز؟
في أحد الأيام حضرت جلسة ثقافية جميلة كان المحاور فيها أحد طلبة الدكتوراه في اللغة العربية، تحدث عن بدأ ضياع اللغة العربية وظهور ما يعرف اصطلاحاً بالعربيزي،أي دمج اللغة العربية بالإنجليزية، وفنَّد الظاهره برؤية الباحث، كانت جلسة متميزة ممتعة.
حينما خرجت جلست أتذكر فقرات كتبتها في مذكرتي عن دور الاستعمار الفرنسي في مسح هوية الشعوب، من خلال فرض الثقافة الفرنسية، خاصة لغتهم الفرنسية، فنجد اليوم في كثير من الدول التي عانت من ويلات هذا الاستعمار تتحدث اللغة الفرنسية بطلاقة.
بعض الناس يستسهل الأمر فيقول: ما المانع من أن يدمج الإنسان العربية بالإنجليزية، فهذا الأمر قد غدا اليوم من البديهيات، فالإنجليزية لغة العالم بأسره، فلا يكاد عمل يخلومنها، بل أكثر من ذلك إذ سادت هذه اللغة اليوم في العالم بسبب تفوقها في مجالات العلم كافة، فأين الخلل في استخدامها؟
الإشكال ليس في تعلم اللغة الإنجليزية أو غيرها، فهي من ضرورات الحياة اليوم، لكن التصنع في استخدامها،والمبالغة فيه هو ما لا نحبذه، فأنت تعيش في دولة عربية،لها هويتها وثقافتها، فلماذا تتعربز في حديثك!
وجدت عند كثيرين من الجيل الناشئ اليوم أن كتابة اللغة العربية بالأحرف الإنجليزية دليل على مدى تطور المرء واتساع ثقافته، رغم أنني أجد هذا الأمر من الأمور التي تدعو للحزن، إذ كيف لعربي أن يجد في مثل هذه اللغة جمالاً، سألت العديد من المراهقين عن السبب فوجدت أساس الخلل في البيت، فحينما يكتب لأحد والديه رسالة إما نصفها عربي والآخر إنجليزي أو بالأحرف الانجليزية لا يجد توجيهاً منهما، فالأمر بالنسبة لهما طبيعي.
الخلل الآخر في الجانب التعليمي، فهناك من المعلمين من يُعربِزُ مسروراً متفاخراً بمدى ثقافته، فإذا كان المصدران الأساسيان للقدوة فيهما خلل فعلى جيلنا القادم السلام، وأسوأ من هذا وذاك أن العامي الذي لم يدرس اللغة الإنجليزية بالمرة وجد نفسه متخلفاً عن ركب لغة العربيزي،فما كان منه إلى أن تعربز على غير هدى، فصار كما قالت العرب لمن يخالف جنسه: "استنوق الجمل واستتيت الشاة"!
أذكر أنني دخلت مطعماً في الكويت ووجدت قائمة الطعام كلها بالإنجليزية، فطلبت من العامل في المطعم أن يحضر لي قائمة طعام عربية، فاعتذر عن ذلك لعدم وجود أي قائمة طعام عربية أصلاً، وعندها طلبت المدير، وكان عربياً شامياً،فحادثته بهذا الموضوع، فوجدت في رده نوعاً من السخرية بأن الانجليزية اليوم هي لغة العصر، ومثل هذه المطاعم لا يدخلها عادةً إلا من يتقن الانجليزية، سكتُّ وحادثته عن تاريخ أجداده العرب وعزتهم وافتخارهم باللغة العربية،وأفهمته أن اللغة العربية بالنسبة لي أساس، حتى وإن كنتأستطيع الطلب والقراءة بغيرها، فهي مسألة مبدأ.
الأعجب من ذلك حديثنا مع من يعمل عندنا في المنزل من خدم، فإما أن نتحدث معهم بالانجليزية إن كانوا يجيدونها،أو نتحدث معهم بلغة عربية ركيكة، اخترعناها نحن وفرضناها عليهم!، فيقول أحدنا لسائقه: "أنت في فهم أنا شنو يقول!"، أو تقول أخرى لخادمتها: " اليوم ما في سوي غدا، اليوم تشلدرن كلو يروح بره"!، وكأننا إن قلنا له العبارتين بلغتنا العربية أو حتى لهجتنا المحلية ستنال الدهشة منهم مبلغها!
أما الطامة الكبرى فهي مشاهدتي لمثقف يحسن اللغة الإنجليزية بكل تفاصيلها قراءة وكتابة ومحادثة، وحينما يكتب بالعربية تجده لا يفرّق بين الظاد والضاد والغين والقاف وربما الذال والزاي، وحينما يقرأ القرآن تجده يلحن ولا يحسن النطق، أما عندما يتحدث فوا أسفاه على العربية! فلا يكاد يقول كلمة عربية حتى يعيد شرحها بالإنجليزية؛ إما لعدم ثقته في نفسه فيحاول أن يكشف للناس مدى ثقافته، أو فعلاً لا يستطيع التعبير بالعربية،وفي كلا الحالين طامة كبرى!
الاعتزاز بالثقافة والهوية هي دأب شعوب الأرض كلها، فمن زار ألمانيا وجد اعتزازهم بلغتهم وحضارتهم. ومن زار فرنسا كذلك. ولعل من الطُرَف التي تروى ولا أعلم مدى صحتها أن صاحب مطعم في فرنسا تم تغريمه؛ لأن اللوحة الإعلانية الموضوعة على مطعمه بها خطأ إملائي!
إشكال هذا الجيل أنه لم يقرأ (شمس العرب تستطع على الغرب) ولم يقرأ (تاريخ الأندلس) ولم يطلع على سير أعلام أمتنا وعلمائهم، ولعلي أختم بحادثة واحدة التي ذكرها المؤرخ الانجليزي (جون داونبورت) من رسالة ملك انجلترا(جورج الثاني) الى الخليفة هشام الثالث خليفة المسلمين بالأندلس يطلب فيها من الخليفة ما يلي: " فقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة، فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل، لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يسودها الجهل من أربعة أركان, ولقد وضعنا ابنة شقيقنا الأميرة (دوبانت) على رأس بعثة من بنات أشراف الإنجليز، تتشرف بلثم أهداب العرش، والتماس العطف، لتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم، وحماية الحاشية الكريمة وحدب من اللواتي سيتوافرون على تعليمهن .ولقد أرفقت مع الأميرة الصغيرة هدية متواضعة لمقامكم الجليل أرجو التكرم بقبولها مع التعظيم والحب الخالص".
أهديها لكل معربزٍ لا يعرف قيمة لغته وحضارته!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
مشاركة مميزة
إلى لقاءٍ يا فهد
الموت هو ذلك الزائر الذي لا يقوى عليه أحد من البشر! ، يأتي للمستبد المتجبر فيسلب منه روحه دون مقاومة أو حرب! وهو ذاته الذي يز...
-
عقول الناس كأصناف الفاكهه فكل نوع له نوعيته الخاصه التي تميزه عن غيره والراغب في الأكل يتخير الفاكهة بحسب رغبته أولا ثم بقدر المال المتوفر ف...
-
Pictures, such as the one above, depict the Christian population in Kuwait as being from the ‘indigenous’ community when it was, in fact, ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق