الأربعاء، 31 يناير 2018

سامحتك ولكن لم تعد صديقي!

تجارب الحياة تعلمنا الكثير وكلما تقدم الإنسان في العمر يكتشف أن اهتماماته تغيرت وتطورت وأن ما كان مهما جدا في مرحلة من حياته صار لا قيمة له في مرحلة أخرى. وكلما ازدادت ثقافة الإنسان مال نحو تقليل الأصحاب وقد يتجه الكثيرون نحو العزلة الشعورية أو ربما الجسدية. الاندفاع نحو العزلة ليس بسبب عدم محبه الناس أو الأنس بصلتهم ومعاشرتهم إنما كلما ازدادت ثقافة المرء زاد عمق فهمه للحياة ، والمصطلحات ، واكتشف زوايا للنظر لم يكن يراها فيما مضى.

من عادتي في سنواتي الأخيرة أن أوضح شخصيتي لكل من يتعرف علي ، فأكون صريحا جدا في لقائي الأول غير متصنع وفي الوقت ذاته مراعيا الآداب العامة وتقاليد من أُقابل. أمر مهم لا أحب أبدا أن يمر اللقاءُ دون أن توضيحه، هذا الأمر متعلقٌ بالمبادىء التي أحملها. على سبيل المثال لا الحصر من مبادئي مثلا عند الحديث في الموضوعات العامة أن يكون الدليل موجودا والصراحة في هذه المواضيع عندي هي الأساس خصوصا إن كان الحديث مع مهتم أو متخصص. لا أكترث بمشاعر من يناقشني وإن كنا نناقش سلوك قريبه أو صاحب سلطته أو إمام مسجده الخطأ بشرط امتلاكي للدليل  أو الحجة التي أحسبها منطقيةً في تحليل موقف ما. كما أنني في الكثير من الأحيان ، في نطاق الموضوعات، عندما يعرض علي أحدهم عمله ، كتاباً كان أو مقالاً أو ربما قصيدةً ويسألني فيها عن رأيي أو ذائقتي وربما تحليلي أبادره بالسؤال التالي "هل تريد رأيا كويتيا أم رأيا علميا؟" فإن اختار الرأي الكويتي جاملته ولم أمدح في موضوعه إلا ما أعجبني وأبتعد عن نقد ما لا يضر وجوده. أما إذا أراد رأياً علمياً خصوصا في قضايا التاريخ فإنني أتحدث عن كل شيء حتى عن النقطة والفاصلة إن كنت أفقه فيها!

ولماذا تُحدثنا عن هذا الأمر وعنوان مقالك مختلف؟ لأن هذه المواقف علمتني أن تعريفات المفاهيم تختلف من شخص لآخر والأمر ذاته في المجتمعات، فالشيطان كما يقال دائما ما يكمن في التفاصيل. اختلاف التعريف لمفهوم الصداقة مثلا بيني وبين الكثير ممن كنت أعدهم أصدقاء وممن لا يزالون أصدقائى جعلني في فترة ما من حياتي حائراً غير مستوعبٍ لما حدث ويحدث حولي. فمفهوم الصداقة عندي واضح، وهو أن أكون بقرب صديقي في مسرته ومضرته في حزنه وفرحه في شقائه وسعادته ليلا أو نهارا صباحا أو مساء حتى وإن كلفني ذلك خسارتي لأشياء أُريدها. لن أكذب عليكم أيها القراء فقد كنت أتوقع الشيء ذاته من أصدقائي لكنني في ذات يومٍ اختلفت مع صديقٍ عرفته في "اكستر العزيزة" وحاولت السؤال عنه والتواصل معه بعدما انقطعت أخباره عني وصدمني قوله ، بعد هذا الانقطاع بكثير، حين قال "أنا أقول لك يا صديقي من باب المجاملة لكنني فعليا لا أعتبرك صديقا بل معرفه أسعد إن رأيتك وتحدثت معك في الكثير من الأحيان لكنني غير مستعد لتقبل تعريفك للصداقة!"

على الرغم من قسوة كلماته على عقلي إلا أنه أيقظني من سباتي وجعلني أعيد نظرتي لمفهوم الصداقة، لا تفهموني خطأ لم ولن أغير مفهومي للصداقة لكن في الوقت ذاته لن أجعل كل من شعرت بتمازجٍ فكري أو نفسي صديقي! هذه اليقظه قادتني لأكتب هذا المقال إذ أنني بدأت أختبر من هم حولي ، هل فعلا أصدقائي؟ هل الأسس التي وضعتها أنا في عقلي للصداقة وصلتهم؟ نعم لم أكن متصنعا معهم لكن هل تصنعوا هم معي واكملوا المسيرة؟ هل هم على استعداد أن يكونوا لي مثلما أكون لهم؟ هل سأجد بعضهم حولي في حزني وفرحي وفي ليلي ونهاري أم أن القضية مختلفة عندما تلقى مسؤولية الصداقة عليهم؟ هذه التساؤلات وغيرها جعلتني أسامح الكثيرين لكني شطبتهم من قائمة أصدقائي. المعضلة التي واجهتني أن مفهومي لقطع الصداقة مختلف أيضاً عن مفهومهم ولذلك خلقت مشكلة أكبر من مشكلة الصداقة ذاتها!

مفهومي لقطع الصداقة هو أن أذكر محاسنهم والمواقف الحسنه بيني وبينهم ولا أنسى أبدا جميل ذكراهم وأتجاوز عن قبح بعض أفعالهم لكنني غير مستعد أبدا أن أكون صديقا لهم. ولكي لا أعتدي على مشاعر إنسان آثرت الخروج الهادىء من حياة الكثيرين منهم دون توضيح بل بررت أنني منشغل بأمور الدنيا والود موجود وحبل المحبة موصول لكن هذا التبرير مع مرور الزمن فقد مصداقيته، فمن كنت لهم صديقا توفى لهم قريب ولم يجدوني هناك وتزوج لهم حبيب فكنت معتذرا عن عدم الحضور وربما وقعت لهم مشكلة فتواصلوا ولم أذهب لا في صبح ولا في مساء! ردات فعلي التي لم يعتادوا عليها جعلتهم يعيدون حساباتهم ماذا يحدث مع هذا الإنسان؟ بعضهم فسر بأن حصولي على درجة علمية ما زادت من عزلتي فآثر الانسحاب بهدوء، لكن أكثرهم صار يسأل بإصرار ماذا يحدث في عالمك يا هذا؟ ولأن هذا الموضوع موضوع عام بالنسبة لي عادة ما يسبق جوابي هذا السؤال  "هل تريد رأيا كويتيا أم الحقيقة؟" وغالبهم يختار الحقيقة التي لم يعتد مجتمعنا على سماعها فيتأثر وربما يتأسف ويعتذر مني على تقصيره وأنا لست بحاجة لا للاعتذار ولا للأسف لأنني أعتبر نفسي المخطىء لكوني لم أفهم أن مفاهيم الصداقة مختلفة بيني وبينهم.

كل ما ذكر في الأعلى لا يفسد للود قضية ، فالمحبة ستبقى والمودة قد تنقص لكنها لن تغيب فكل من مر في حياتي واعتبرته صديقا هو قطعه من حياتي وصفحة من مذكراتي حتى وإن قل التواصل أو انقطع. فالقلب لا يحمل الحقد على أحد لأن المقنع الكندي الشاعر الفحل نصحني ونصحكم عندما قال " ولا أحمل الحقد القديم عليهم / وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا". وخلال تجارب قول الحقيقة برز شخص حيرني أكثر فعلى الرغم من تعاملي معه بالطريقة ذاتها التي تعاملت فيها مع الآخرين إلا أنه أصر على أن يكون موجودا متى ما بحثت عنه على كسل عظيم فيه لكنه في الوقت ذاته يحمل محبة صادقة أجدها بين عينيه، وزادت حيرتي أكثر وتسائلت لماذا لم يكن تعاملي معه مختلفا ؟ هل بسبب فهمه لمفهوم الصداقة أم أنا من تبدل مفهومه للصداقة وتطور ؟ وهذا طبيعي فالتغير من صفات الإنسان لأن الجامد جماد لا روح فيه ولا عقل! 

أصدقائي الأعزاء أرجوكم تقبلوني كما أنا، وثقوا أن الحياة لا تتوقف عند اختلاف المفاهيم ولا تتوقف عند تباين الآراء ولن تتوقف عندما نكون أعداء! الحياة جمالها بجمال فهمنا لها وبتطور عقولنا والنظر فيها وإليها بطرق مختلفة وزوايا عديدة. ولكن نصيحة أنصح بها نفسي وأنصحكم بها لنتأكد من أننا نفهم ذات الفهم أو قريب منه حتى لا تضيع الحياة وينقلب الود إلى كره والقرب إلى بعد. ثقافة السؤال يجب أن تكون ضمن مقرراتنا الدراسية وأولويات الآباء والأمهات ففهم أي أحد غير كاف لكن توضيح الآخر يكفي!

شوارد:

"نبدو بخير رغم الفراق أنا وأنت لم يقتلنا البعد، لا نزال نمارس الحياة بشكل معتاد" .

لا أعرف قائلها 

مشاركة مميزة

إلى لقاءٍ يا فهد

    الموت هو ذلك الزائر الذي لا يقوى عليه أحد من البشر! ، يأتي للمستبد المتجبر فيسلب منه روحه دون مقاومة أو حرب! وهو ذاته الذي يز...