يعرف القليل من العامة، و الكثير من الخاصة، أنّي أحب مشاهدة كرة القدم، و أنيّ أشجّع فريق ريال مدريد الإسباني، و أتعصّب في تشجيعي له إذا تعصّب المتعصّبون. و على ضوء فوز ريال مدريد البارحة على غريمه التقليدي برشلونه، نشرتُ في حسابي على برنامج الإنستغرام، و في الوتس أب كذلك، مقطعًا مسجّلًا يعبّر عن فرحي بفوز النادي الذي أشجّع! ليس هذا موضوع المقال يا سادة، فموضوع المقال أنني تلقيت رسالة على الوتس أب من شخص محترم يحمل شهادة الدكتوراه في أحد العلوم، يقول لي فيها أنّ نشْر هذا المقطع ليس من سمات الأكاديميين، و أنني الآن أحمل شهادة الدكتوراه، فلا يَحْسُن بمن هم مثلي فعل ذلك! الأمر الذي دعاني للتفكير في كلامه مليًا، و سؤال نفسي: هل للأكاديميين سمات؟
قبل الإجابة على السؤال، راجعتُ نفسي كثيرًا، و راجعتُ المقطع مرارًا، علّه غاب عني مشهدٌ لا يليق بي أولًا، ثم بمتابعيّ الكرام، و فيهم خاصّتي، بل خاصّة الخاصة، و بتّ أتقلب بين نار الريبة، و برد اليقين، لكنّي لم أجد ما يعيب. فلم يكن المقطع يحوي عريًا أو شتيمة، بل كانت مجرد هتافات و أهازيج و أناشيد جماعية من جماهير مدريد على المدرج تشجيعًا للاعبي الفريق و بثًا لروح الحماس و رفع الهمة.
و عودةً لصاحب الرسالة، فلئن ساءني أسلوبه الثقيل، لقد ساءني أكثر أنّه لم يكلّف نفسه تعريف ماهية سمات الأكادميين لأناقشه، بل اكتفى بإلقاء تعليقٍ عامٍ و فضفاض، تعبيرًا عمّا يؤمن به شخصيًا. و لمّا لم أجد جوابًا واضحًا لسؤالي، بدأت بالتفكير و التفكير و التفكير حول سمات الأكاديميين، و تساءلت: هل كان يعني سمات علماء الدين التي نعرفها في مجتمعاتنا و تاريخنا الإسلامي؟ أستطيع فهم لماذا يجب على عالم الدين التورّع عن بعض ما أحل الله، و كذلك مراعاة بعض الصفات؛ لأنه في النهاية يفتي للناس في الحلال و الحرام، و لعلّ حِمْلَهُ الثقيلَ -باتّخاذه قدوةً- أَوْجبَ عليه التصرف على خلاف طبيعته، وهو أمر لا أوافق عليه الناس بكل تأكيد، لكنّي أتفهّمه، لكونه واقعًا.
نعود لفكرة السمت الأكاديمي و سمات الحاصل على الدكتوراه، و السؤال الأول الذي يتبادر إلى ذهني: هل ثمة فارق بين أخلاق الباحث الشخصية، و أخلاقه المهنية و الأكاديمية؟ نعم، ثمة فرق، و فرق شاسع، بلا شك، أمّا الأخلاق الشخصية فبينه و بين الله -عز و جل- ثم تأتي الناس لتزنها و تقيّمها، أمّا الأخلاق الأكاديمية فميزانها مختلف، إذْ ليس بالضرورة أن يكون الأكاديمي ذا خلق عال أو مروءة، و ربما يكون بلا شهامة و لا رجولة! فهذه الصفات، حسنةً كانت أم قبيحة، بناتُ بيئة المرء، يكتسبها منذ الصغر، و تختلف باختلاف البيئة التي ينشأ فيها، و ليس المتعلّم أكثر تهذيبًا من الأميّ، و لا المنعم بأكثر من المُعدم، و ربّ صفات نبيلة خرجت من رحم المرارة و العسر، و ربّ صفات ذميمة خرجت من رحم الترف و اليسر، بل قد يتحكم عامليْ: الفقر و الغنى في أخلاق الإنسان الأكاديمي الشخصية فيما بعد، و خاصةً في دول الخليج العربي، إذْ إنّ راتب المدرس في الجامعة من أعلى الرواتب في سلم الوظائف، و قد تشبع نفوسٌ بعد جوع، و الخير فيها دخيل، أما النفوس الجائعة بعد شبع، فالخير فيها أصيل، كما قال الإمام.
و هناك أمر آخر يُشْكِلُ على الناس في كل زمان و مكان، ألا و هو عدم التفريق بين الإنسان و عمله إلا في أحيان ضيقة جدًا! هَبْ أنك تكره صاحبَ مكتبةٍ لعبوسه و تجهّمه، فكرهك لا يعني ألّا تشتري منه، طالما يعرض أحسن الكتب و بأسعار تنافسية، فالعلاقة بينك و بين هذا الإنسان ليست علاقة زواج، و لا قرابة، و لا حتى صداقة، إنما هي علاقة عمل، و مصلحة، و قد تكون علاقة عابرة، أو سمّها ما شئت! و قد يسأل سائلٌ: و أين الدعوة إلى مكارم الأخلاق و الحث عليها؟ أليس الأوْلى بصاحب المكتبة الابتسامة حتى يجلب الزبائن إلى مكتبته؟ نعم، كلامك عين العقل و عين الصواب، لكنّ بقاءه على حاله ليس محرمًا، بل مباحًا و إنْ شابَهُ بعض الكراهة، ثمّ إنّ تدخّلك فيما هو مباحٌ له أعظم جُرْمًا من تجهمه و عبوسه، و لعل انصرافك عنه خيرٌ من مناصحته، فهو لم يستنصحك حتى تنصحه، لأن ذلك من التعدّي على خصوصيات الآخرين التي لا تعنينا. هناك فارق كبير جدًا بين النصيحة و التطفل، بين حب الخير للآخرين و جينات أشعب التي تأصلت في عقول و جوارح الكثير منا! فالنصيحة لها آدابها، و لها قواعد كذلك، و ليس هذا المقال بموضعٍ للإسهاب فيها، لكنّ أهم قاعدة -برأيي- أن يكون الناصحُ واعيًا بما ينصح، و ألّا يتكلم لأجل الكلام فقط، و إليك عزيزي المتسرع، أنا لا أتكلم عن النهي عن المنكر هنا! بل أتحدث بشكل واضح عن النصيحة و التي تجوز في أمور الدين و الدنيا، و تجوز في الحلال و المباح أيضًا!
نقطة أخرى أود أن أضيفها لمسألة الأخلاق الشخصية للباحث أو الأكاديمي، و هي أن حامل الشهادة العليا حريٌّ به أن يكون ذا خلق عال، لكونه تعلّم، و العلمُ يوسّع مدارك الإنسان، و لا يزيده إلا تواضعًا، و هذا ما نجده غالبًا عند العلماء في الشرق و الغرب من خلق رفيعٍ و سماحة. و هنا يتحتم عليّ أن أوضح أمرًا مهمًا جدًا، وهو أن لفظ العالِم -كما أفهمه- يُطلق على كل إنسان شغوفٍ بالعلم، في أي مجال أو تخصص، و يحب العلم لأجل العلم عينه، و لا يتّخذه طريقًا للوصول إلى شهرةٍ أو مال أو نفوذ، و انطلاقًا من هذه الركيزة، فليس كل دكتور أو بروفيسور بالنسبة لي عالمًا! ذلك أنّ مهنة الأستاذية أو الدكترة من المهن الطارئة المستحدثة التي ابتدعها الإنسان في عصرنا الحديث، و لا تعني بالضرورة حيازة العلم، فالحاصل على الدكتوراه هو الإنسان الذي نال إجازةً في البحث، و شهادةً تتيح له ممارسة العلم بصورة منهجية نوعًا ما، و في غضون ثلاث إلى أربع سنوات من تخرجه يُفترض أن تصبح هذه الأدوات، على قِدَمها، جزءًا من يومه!
أختم قوْلي حول مسألة أخلاق الباحث الشخصية بإضافةِ أنّ ليس كلُّ مباحٍ حرامًا، و ليس كلُّ ما تعتقده من خوارم المروءة في بلدك، قريتك، قبيلتك، طائفتك، مذهبك، ينتقص من الإنسان، فالعالم و العلم و الأخلاق ليست حكرًا على اعتقادك الضيّق، أو على ما ألفته و تعودت عليه، و ليست حصرا في تفكير والديْك اللذين ربيّاك على معايير محدّدة من الأخلاق، لكن الأصل بالنسبة لنا كوننا مسلمين هو الحلال و الحرام، و لغير المسلمين ما تعود عليه جمهور الناس و لم يجدوا فيه الخطأ الظاهر!
أما سمت الأكاديمي فأقول للصديق الذي أرسل لي رسالته: سمت الأكاديمي باختصار يا عزيزي هو أن يكتب الباحث بحوثه بصدق و أمانة، و ينسب المعلومات التي أخذها لأصحابها، و لا يسرق منها أو يحوّرها بطريقة احترافية ثم ينسبها لنفسه! سمت الأكاديمي يا عزيزي أن يشارك الآخرين ما يملك من معلومات و أفكار، و يساهم في خلق بيئة علمية خصبة تكفل للباحثين بذر بذورهم، لتطوير الحقل و الارتقاء به و إثرائه. و من سمات الأكاديمي أن يتقبل النقد العلمي البنّاء، و يشكر الناقد على نصيحته الأكاديمية و يسعى لتطوير نفسه. و من سمات الأكاديمي كذلك أن يطوّر الباحث نفسه و يعترف بتقصيره، و لو سرًا، ثم يقرأ ويقرأ ويقرأ، و ألا يكتفي بتصفيق العامة على أفكاره التي يكررها لسنوات طويلة، لكن لجمهور مختلف!
إنّ من السمت الأكاديمي ألا يكون الباحث أنانيًا يسعى لمنافسة أقرانه لمجرد المنافسة، بل ينافسهم عندما يجد القدرة و المقدرة و المادة التي تجعل من منافسته لأقرانه أحد طرق الارتقاء بالحقل الذي يعمل به. الأكاديمي الذي يملك السمت المنشود يا عزيزي يكون نزيهًا، ساعيًا للفضيلة، محايدًا، يسمع لغيره، يقيّم الحقائق ما استطاع لذلك سبيلًا، و لا يجعل من خصومة فكرية، أو شخصية، أو ربما دينية، سبيلًا له للثأر و الانتقاص من غيره! فالإنصاف عزيزٌ حتى على حملة الشهادات العليا، إلا أولي الذمم منهم!
ختامًا، ما أجمل الأكاديمي إذا جمع سمات الخير و الأخلاق الحسنة! و أضاف عليها جمال النقد و روح التنافس و رزانة العلم و رجاحة الحجة، و إليك عزيزي المتطفل، يا من تعتقد أن تطفلك هو ما يعرف في الدين باسم النصيحة! فِعْلُكَ هو نفسه فعل أشعب الذي يدخل إلى الولائم دون دعوة، و يأكل دون إذن، و يكره الناس وجوده، لكنه يعتقد في الوقت نفسه أنه ذكي! و ذلك من جهله بالطبع، فإنْ كان و لا بدّ من التمثّل و التماهي، فتمثّل جحا! فهو -على كلّ ما شاع عنه من حماقة- إنسانٌ ظريفٌ في الروايات الصحيحة، و رجلٌ فاضلٌ في الروايات المثبتة!
قبل الإجابة على السؤال، راجعتُ نفسي كثيرًا، و راجعتُ المقطع مرارًا، علّه غاب عني مشهدٌ لا يليق بي أولًا، ثم بمتابعيّ الكرام، و فيهم خاصّتي، بل خاصّة الخاصة، و بتّ أتقلب بين نار الريبة، و برد اليقين، لكنّي لم أجد ما يعيب. فلم يكن المقطع يحوي عريًا أو شتيمة، بل كانت مجرد هتافات و أهازيج و أناشيد جماعية من جماهير مدريد على المدرج تشجيعًا للاعبي الفريق و بثًا لروح الحماس و رفع الهمة.
و عودةً لصاحب الرسالة، فلئن ساءني أسلوبه الثقيل، لقد ساءني أكثر أنّه لم يكلّف نفسه تعريف ماهية سمات الأكادميين لأناقشه، بل اكتفى بإلقاء تعليقٍ عامٍ و فضفاض، تعبيرًا عمّا يؤمن به شخصيًا. و لمّا لم أجد جوابًا واضحًا لسؤالي، بدأت بالتفكير و التفكير و التفكير حول سمات الأكاديميين، و تساءلت: هل كان يعني سمات علماء الدين التي نعرفها في مجتمعاتنا و تاريخنا الإسلامي؟ أستطيع فهم لماذا يجب على عالم الدين التورّع عن بعض ما أحل الله، و كذلك مراعاة بعض الصفات؛ لأنه في النهاية يفتي للناس في الحلال و الحرام، و لعلّ حِمْلَهُ الثقيلَ -باتّخاذه قدوةً- أَوْجبَ عليه التصرف على خلاف طبيعته، وهو أمر لا أوافق عليه الناس بكل تأكيد، لكنّي أتفهّمه، لكونه واقعًا.
نعود لفكرة السمت الأكاديمي و سمات الحاصل على الدكتوراه، و السؤال الأول الذي يتبادر إلى ذهني: هل ثمة فارق بين أخلاق الباحث الشخصية، و أخلاقه المهنية و الأكاديمية؟ نعم، ثمة فرق، و فرق شاسع، بلا شك، أمّا الأخلاق الشخصية فبينه و بين الله -عز و جل- ثم تأتي الناس لتزنها و تقيّمها، أمّا الأخلاق الأكاديمية فميزانها مختلف، إذْ ليس بالضرورة أن يكون الأكاديمي ذا خلق عال أو مروءة، و ربما يكون بلا شهامة و لا رجولة! فهذه الصفات، حسنةً كانت أم قبيحة، بناتُ بيئة المرء، يكتسبها منذ الصغر، و تختلف باختلاف البيئة التي ينشأ فيها، و ليس المتعلّم أكثر تهذيبًا من الأميّ، و لا المنعم بأكثر من المُعدم، و ربّ صفات نبيلة خرجت من رحم المرارة و العسر، و ربّ صفات ذميمة خرجت من رحم الترف و اليسر، بل قد يتحكم عامليْ: الفقر و الغنى في أخلاق الإنسان الأكاديمي الشخصية فيما بعد، و خاصةً في دول الخليج العربي، إذْ إنّ راتب المدرس في الجامعة من أعلى الرواتب في سلم الوظائف، و قد تشبع نفوسٌ بعد جوع، و الخير فيها دخيل، أما النفوس الجائعة بعد شبع، فالخير فيها أصيل، كما قال الإمام.
و هناك أمر آخر يُشْكِلُ على الناس في كل زمان و مكان، ألا و هو عدم التفريق بين الإنسان و عمله إلا في أحيان ضيقة جدًا! هَبْ أنك تكره صاحبَ مكتبةٍ لعبوسه و تجهّمه، فكرهك لا يعني ألّا تشتري منه، طالما يعرض أحسن الكتب و بأسعار تنافسية، فالعلاقة بينك و بين هذا الإنسان ليست علاقة زواج، و لا قرابة، و لا حتى صداقة، إنما هي علاقة عمل، و مصلحة، و قد تكون علاقة عابرة، أو سمّها ما شئت! و قد يسأل سائلٌ: و أين الدعوة إلى مكارم الأخلاق و الحث عليها؟ أليس الأوْلى بصاحب المكتبة الابتسامة حتى يجلب الزبائن إلى مكتبته؟ نعم، كلامك عين العقل و عين الصواب، لكنّ بقاءه على حاله ليس محرمًا، بل مباحًا و إنْ شابَهُ بعض الكراهة، ثمّ إنّ تدخّلك فيما هو مباحٌ له أعظم جُرْمًا من تجهمه و عبوسه، و لعل انصرافك عنه خيرٌ من مناصحته، فهو لم يستنصحك حتى تنصحه، لأن ذلك من التعدّي على خصوصيات الآخرين التي لا تعنينا. هناك فارق كبير جدًا بين النصيحة و التطفل، بين حب الخير للآخرين و جينات أشعب التي تأصلت في عقول و جوارح الكثير منا! فالنصيحة لها آدابها، و لها قواعد كذلك، و ليس هذا المقال بموضعٍ للإسهاب فيها، لكنّ أهم قاعدة -برأيي- أن يكون الناصحُ واعيًا بما ينصح، و ألّا يتكلم لأجل الكلام فقط، و إليك عزيزي المتسرع، أنا لا أتكلم عن النهي عن المنكر هنا! بل أتحدث بشكل واضح عن النصيحة و التي تجوز في أمور الدين و الدنيا، و تجوز في الحلال و المباح أيضًا!
نقطة أخرى أود أن أضيفها لمسألة الأخلاق الشخصية للباحث أو الأكاديمي، و هي أن حامل الشهادة العليا حريٌّ به أن يكون ذا خلق عال، لكونه تعلّم، و العلمُ يوسّع مدارك الإنسان، و لا يزيده إلا تواضعًا، و هذا ما نجده غالبًا عند العلماء في الشرق و الغرب من خلق رفيعٍ و سماحة. و هنا يتحتم عليّ أن أوضح أمرًا مهمًا جدًا، وهو أن لفظ العالِم -كما أفهمه- يُطلق على كل إنسان شغوفٍ بالعلم، في أي مجال أو تخصص، و يحب العلم لأجل العلم عينه، و لا يتّخذه طريقًا للوصول إلى شهرةٍ أو مال أو نفوذ، و انطلاقًا من هذه الركيزة، فليس كل دكتور أو بروفيسور بالنسبة لي عالمًا! ذلك أنّ مهنة الأستاذية أو الدكترة من المهن الطارئة المستحدثة التي ابتدعها الإنسان في عصرنا الحديث، و لا تعني بالضرورة حيازة العلم، فالحاصل على الدكتوراه هو الإنسان الذي نال إجازةً في البحث، و شهادةً تتيح له ممارسة العلم بصورة منهجية نوعًا ما، و في غضون ثلاث إلى أربع سنوات من تخرجه يُفترض أن تصبح هذه الأدوات، على قِدَمها، جزءًا من يومه!
أختم قوْلي حول مسألة أخلاق الباحث الشخصية بإضافةِ أنّ ليس كلُّ مباحٍ حرامًا، و ليس كلُّ ما تعتقده من خوارم المروءة في بلدك، قريتك، قبيلتك، طائفتك، مذهبك، ينتقص من الإنسان، فالعالم و العلم و الأخلاق ليست حكرًا على اعتقادك الضيّق، أو على ما ألفته و تعودت عليه، و ليست حصرا في تفكير والديْك اللذين ربيّاك على معايير محدّدة من الأخلاق، لكن الأصل بالنسبة لنا كوننا مسلمين هو الحلال و الحرام، و لغير المسلمين ما تعود عليه جمهور الناس و لم يجدوا فيه الخطأ الظاهر!
أما سمت الأكاديمي فأقول للصديق الذي أرسل لي رسالته: سمت الأكاديمي باختصار يا عزيزي هو أن يكتب الباحث بحوثه بصدق و أمانة، و ينسب المعلومات التي أخذها لأصحابها، و لا يسرق منها أو يحوّرها بطريقة احترافية ثم ينسبها لنفسه! سمت الأكاديمي يا عزيزي أن يشارك الآخرين ما يملك من معلومات و أفكار، و يساهم في خلق بيئة علمية خصبة تكفل للباحثين بذر بذورهم، لتطوير الحقل و الارتقاء به و إثرائه. و من سمات الأكاديمي أن يتقبل النقد العلمي البنّاء، و يشكر الناقد على نصيحته الأكاديمية و يسعى لتطوير نفسه. و من سمات الأكاديمي كذلك أن يطوّر الباحث نفسه و يعترف بتقصيره، و لو سرًا، ثم يقرأ ويقرأ ويقرأ، و ألا يكتفي بتصفيق العامة على أفكاره التي يكررها لسنوات طويلة، لكن لجمهور مختلف!
إنّ من السمت الأكاديمي ألا يكون الباحث أنانيًا يسعى لمنافسة أقرانه لمجرد المنافسة، بل ينافسهم عندما يجد القدرة و المقدرة و المادة التي تجعل من منافسته لأقرانه أحد طرق الارتقاء بالحقل الذي يعمل به. الأكاديمي الذي يملك السمت المنشود يا عزيزي يكون نزيهًا، ساعيًا للفضيلة، محايدًا، يسمع لغيره، يقيّم الحقائق ما استطاع لذلك سبيلًا، و لا يجعل من خصومة فكرية، أو شخصية، أو ربما دينية، سبيلًا له للثأر و الانتقاص من غيره! فالإنصاف عزيزٌ حتى على حملة الشهادات العليا، إلا أولي الذمم منهم!
ختامًا، ما أجمل الأكاديمي إذا جمع سمات الخير و الأخلاق الحسنة! و أضاف عليها جمال النقد و روح التنافس و رزانة العلم و رجاحة الحجة، و إليك عزيزي المتطفل، يا من تعتقد أن تطفلك هو ما يعرف في الدين باسم النصيحة! فِعْلُكَ هو نفسه فعل أشعب الذي يدخل إلى الولائم دون دعوة، و يأكل دون إذن، و يكره الناس وجوده، لكنه يعتقد في الوقت نفسه أنه ذكي! و ذلك من جهله بالطبع، فإنْ كان و لا بدّ من التمثّل و التماهي، فتمثّل جحا! فهو -على كلّ ما شاع عنه من حماقة- إنسانٌ ظريفٌ في الروايات الصحيحة، و رجلٌ فاضلٌ في الروايات المثبتة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق