الرثاء يصعب على غير الشعراء، فهؤلاء خلقوا ليحولوا مشاعرهم لكلمات تمس مشاعرنا فعند الفرح يجعلوننا نطير في سماء السعادة وعند الحزن ينزلون دموعنا غصبا وان لم نعرف لماذا وعلى من نحزن! لا أحب الرثاء فهو مؤلم وأحاول ألا أرثي أحدا فالرثاء يكتب بقلم الآلام التي تعتصر قلوبنا ومداد هذا القلم الحزن الذي يأبى أن يفارقنا العمر كله وان نسيناه للحظات.
ليتني شاعرا فأرثي العم عبد الرزاق عبد اللطيف محمد الابراهيم الذي رحل عن دنيانا يوم الأربعاء ٩-٣-٢٠١٦، رحل وترك في قلوبنا غصة فهو الذي يواصل الكبير والصغير كلما زرت ديوانية لأحد أبناء اسرتنا وجدته فيها. بشوش رحم الله يقدر من يقدره لهجته الزبيريه تميزه وكيف لا يتحدث بها وهو سليل شيوخها الذين حكموا مدينه الزبير بعد نزوحهم من حريملاء عندما كانت الزبير يقطنها أهل نجد. وأسرتنا الابراهيم الراشد تختلف عن أسرة الابراهيم العناقر فنحن ننتمي لقبيلة عنزة وهم لتميم. والابراهيم العناقر او "الدوره" الذين كان منهم الشيخ يوسف الابراهيم رحمه الله فالشيخ يوسف كان له خلاف مع الشيخ مبارك بن صباح كما ذكرت ذلك كتب تاريخ الكويت وتدخل الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الابراهيم الراشد لحل النزاع كمحكم من قبل الدولة العثمانية اذ كان وقتها يحكم امارة الزبير.
العم عبد الرزاق كانت بيني وبينه علاقة جميلة، فعندما بدأت في محاولة لتنظيم لقاءات الاسرة من خلال الوتس اب واللقاء الشهري للعائلة كان من كبار الداعمين لي والمشجعين، وكم مرة يذكر لي والدي أن العم عبد الرزاق كان يمتدح عملي في غيابي ويدعوا الجميع لأن يشاركوا وفعلا كان له ما أراد. بحمد الله زاد ألفة العائلة فبعد أن كان ديوان الابراهيم الراشد في منطقة القادسية مفتوحا يوميا لاستقبال الناس، صارت العلاقة بين الأسرة أعمق من خلال تسابق كل فروعها على صلة الرحم والمشاركة في العشاء الدوري للعائلة ولا تستغربوا من كون العم عبد الرزاق من أوائل المشاركين في الفكرة.
على الصعيد الشخصي وكوني أدرس التاريخ لم يبخل العم عبد الرزاق أبدا علي في معلومة أو فكرة او وثيقة، وعندما علم بأنني أخطط لكتابة كتاب يؤرخ لتاريخ اسرتنا "الابراهيم الراشد" ومسيرتها من حريملاء إلى مشيخة الزبير ثم العودة للكويت ونجد ساندني وشجعني وكان يسألني في كل مرة أزوره فيها عن دراستي وعن الكتاب. وأذكر في آخر لقاء بيننا في ديوانيته عندما عدت في إجازة من بريطانيا أوصاني بإتمام الكتاب في أسرع وقت لكن الأجل سبق ولعل الله يكتب له أجر صلة الرحم إن كان في العمر بقية وصدر الكتاب.
العم عبدالرزاق كذلك ذاكرته كانت حيه في حوادث التاريخ فهو توفي عن ٨٦ عاما وهو من مواليد عام ١٩٣٠ تقريبا ، وقد قابلته عدة مقابلات لتوثيق تاريخ الأسرة وكذلك العلاقات الكويتية الزبيرية والعلاقات النجدية الزبيرية والتي ان مكنني الله من إتمام دراستي الدكتوراه ستكون أولى اولوياتي. اذكر عندما زرته في المستشفى قبل عام كان يشجعني على الاستمرار في مشروع تواصل الاسرة وكلمات التشجيع ان جاءت من الكبار في السن والقدر كانت حافزا للإنسان ودافعا قويا لمواصلة الطموح.
وداعا يا عم فالقلب لا يملك سوى الدعاء
وداعا يا عم فهذا الدرب كلنا سائرون عليه
وداعا يا عم فأملنا أنك عند أرحم الراحمين الذي يكرم وفادة القادمين اليه
وداعا يا عم وعزاؤنا بذكرك الطيب الذي تركته
وداعا يا عم فلعلنا نلتقي في جنان الخلد مع من نحبهم
وداعا يا عم فالدائم وجهه سبحانه، وداعا يا عم وقلوبنا تعتصر ألما لكننا نردد ما يرضي ربنا " إنا لله وإنا اليه راجعون"
شوارد:
يعز عليَ حين أديرُ عيني / أفتش في المكان فلا أراكا
فيا قـبر الحبيب وددت أنـّي / حملت ولو على عيني ثراكا
ســقـاك الغـيـث هـتـّانـا وإلاّ / فحسبك من دموعي ما سقاكا
ولا زال السلام عـليـك مـنـّي / يرفّ مع النسيم على ذراكا
بهاء الدين زهير (شاعر عباسي)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق