الثلاثاء، 17 فبراير 2015

دكتوراه أم فشخوراه؟




في صباح يوم ١١-٥-٢٠١١ وقد صادف دخولي في عقدي الثالث من العمر بقليل قررت أن أكمل دراستي للدكتوراه في  تخصص التاريخ! ومن عادتي التي لا أدري ممن اكتسبتها لكنها بكل تأكيد من انسان هي أنني اذا اتخذت قرارا مصيريا في ثواني اجلس مباشرة لأكتب مميزات هذا القرار وما هو النفع الذي سأجده من وراء ذلك القرار؟ لذا أحضرت ورقتي وقلمي اللذان لا زلت احتفظ بهما في محفظتي وكتبت مميزات وعيوب دراسة الدكتوراه في تاريخ الكويت في بريطانيا

ووجدت بصراحة أن جميع الجوانب المادية التي كنت فيها قبل تقديم استقالتي من البنك وبدء الدراسة أفضل بكثير من مميزات الحصول على الدكتوراه سواء كنت مبتعثا أو على حسابي الخاص ففي كلتا الحالتين برقبتك دين اما للدولة أو لمدخراتك! لكن عند خلع نظارة المادة التي نرى في الغالب من خلالها العالم أمورا كثيرة وعيوبا لا بأس بها في قضية اكمال دراسة الدكتوراه في الغرب، سأضع لكم جدولا به المميزات والعيوب  التي كتبتها مره بعد استيقاظي من النوم قبل اربع سنوات وهل هي حقيقية أم انها كانت مثاليات وأحلام وردية عشتها في تلك اللحظة! كي أكون صادقا وجدت الاحلام الوردية ملونة بألوان عديدة وحقائق كتبتها بعضها حقيقي وبعضها كلام فاضي!!

مميزات دراسة الدكتوراه 
عيوب دراسة الدكتوراه
خوض تجربة الغرب والعيش في حضارة أخرى
خسارة المميزات المادية الحالية وعدم القدرة على الادخار
فشخره!
عدم وجود وظيفة مضمونه بعد التخرج
اتساع المدارك
الضغط النفسي بعد اتخاذ القرار من المجتمع
لان من اهدافي في الحياة هو التأليف الدكتوراه ستساعدني على ذلك كثيرا
تخصصي التاريخ غير مطلوب في سوق العمل وليس له تأثير كبير لعدم وجود جامعات او مراكز بحوث
اجادة ابنائي للغة الإنجليزية وبطلاقة
الاخلاق العامة للغرب لا تناسب طريقتي في تربية ابنائي
سأحقق انجاز لذاتي وسأشعر بالفخر!
قد لا أتمكن من الانتهاء من الدراسة لاسباب عديدة مادية معنوية اكاديمية!
معرفة تاريخ بلدي بصورة علمية وبعدها بإمكاني ان اساهم في تطوير البلد
حرج اجتماعي كبير في حال نشرت حقائق لا تناسب بعض أطياف المجتمع كوني سأصبح مؤرخ والمؤرخ قاضي
احترام الاخرين العلمي لي فدرجة الدكتوراه اليوم بداية طريق التخصص والمكانة العلمية
قد ينتهي حالي كما انتهى حال الاف ممن اكلموا الدكتواره لكنهم لم يطوروا حالهم!
..
بعض النظر عما كتبته لكن أكثر ما شدني كان كتابتي لكلمة فشخره! وتساءلت هل فعلا الفشخرة نعتبرها ميزه؟ وكم أسفت انني كتبتها وكم راودتني نفسي بأن لا اضعها هنا لكن مما علمتني دراسة الدكتوراه أن أكون امينا في النقل ولو على نفسي ، وهذا موضوع آخر سنناقشه في مقالات لاحقة، نعود للدكتوراه هل هي فشخرة أم درجة علمية؟ عندما بدأت دراستي للغة كان أحد اهم اهدافي هو تجاوز اختبار الايلز ، اختبار اللغة الإنجليزية،  ودخول برنامج الدكتوراه دون التفكير في أي أمر آخر أو محاولة التعمق في سبب اكمال دراستي ولو عاد بي الزمن لقرأت كل ما كتب بالانجليزيه عن الموضوع فتقوى اللغة عندي وأفهم تفاصيل ما أن مقدم عليه!

الفشخرة في مجتمعاتنا العربية منتشرة في أواسط المثقفين ، فتجده عندما يتكلم عن نفسه يضع "نا" التفخيم بشكل مقيت في أحيان كثيرة ، فتجده يقول " قد قلنا في محاضرة لنا!" ، "في بحثنا الذي نشرته لنا مجلة كذا أشرنا!" ، " رأينا في هذا الموضوع" وغيرها من عبارات التفخيم الفضفاضة التي لا يستحقها كثير ممن يقولها. هنا في الغرب هذه الألقاب ليست لها أهمية فقد تعرفت على بروفسور في السبعين من عمره وكنت أسميه برفسور فلان فطلب مني بكل صراحة أن لا أناديه سوى باسمه! وعندنا لم أجد على الأقل وان كنت متأكدا من وجود بعض الأشخاص الذين يطلبون من الطلبة أن ينادونهم بأبي فلان بدل دكتور أو أن تناديهم بأسمائهم، ولكي لا يأتيني متذاكي وما أكثرهم في عالم الانترنت  ويقول هنا في الغرب بعضهم يصر على أن تناديه بلقب دكتور أو برفسور وأقول لك هذا صحيح جدا يا عزيزي لكن الأصل هنا هو التواضع!
.

فشخرتنا العلمية في رأيي مبنية على سببين رئيسيين الأول هو أن جامعاتنا تدعو الى ذلك في البيئات العلمية عندنا وفي الكويت تحديدا غير علمية فسواء عليك اجتهد أم لم تجتهد فراتبك موجود وثابت وقد أخبرني صديق لي بأنه طلب إجازه علمية من القسم فكان الرد أن بحوثك لن تنفعك كثيرا لكن الزيادة المالية التي ستجنيها من خلال تدريس الفصل الصيفي أو من خلال أخذ محاضرات أكثر أفضل لك من خوضك تجربة البحث العلمي! وهذا والله طامة كبرى في مؤسسة علمية. ولكي نعطي الدليل ولا نطلق الكلام على عواهنه هذا تصنيف جامعة الكويت حسب ما نشرته جريدة سبر في العام الماضي ولاحظوا معايير التقييم. بل أكثر من ذلك بعض أعضاء هيئة التدريس في الجامعة لا يكتبون بحوثهم بأنفسهم انما يستعينون بآخرين! وهذا لا يمكن اثباته لعدم وجود جهات حيادية في مجتمعاتنا تقيم مثل هذا السلوك لكن لكم أن تبحثوا بأنفسكم وستجدون أن ما قلته فيه الكثير من الصحة! السبب الثاني للفشخرة العلمية هو المجتمع ذاته فنحن دائما ما نصب هالة من الاحترام الزائف على رموزنا السياسية والدينية والثقافية فنجعل منهم أبطالا من ورق وهذا لا يعني التعميم فالكثير منهم يستحقون مثل هذه الهالة وعلى الأقل  التخصصات القريبة من تخصصي فالدكتور خلدون النقيب رحمة الله له وزن علمي كبير وله كذلك قدر في القلوب كذلك الدكتور غانم النجار، فهو من الشخصيات المميزة في مجتمعنا وله تمثيل دولي وبحوث رائعة ورأي معتبر لكن أقول في الغالب نحن نجعل كل من حمل لقب الدكتوراة شخصا مميزا! وأذكر أنني كتبت مقالا في هذا الخصوص هل يكبرنا اللقب؟ بعد مناقشتي لدكتور قبل أكثر من ٧ سنوات كونه دكتورا والمكان أعطاه قدسية اذا هو لا يُمس!
الدكتوراه اليوم مرحلة مهمة لطالب العلم في أي مجال فهي بداية التحصرم في رحلة الزبيب وهي بداية فهم الأمور بمنظور أعمق مما يراه الناس فبعد تجاوزك لمناقشة الدكتوراه يفترض أنك قد بنيت لنفسك صرحا علميا وفهمت أن النقد المنهجي أساس كل بحث وأن المنهجية هي الخريطة التي تقودك للوصول الى هدفك العلمي والاطار النظري يساعدك على التحليل والعاطفة تهوي بك في الى أسفل السافلين! ، الدكتوراه هي أولى خطوات القمم التي يصلها الانسان الطامح للمجد العلمي وهي أقل هذه القمم جمالا وعلوا فبعدها قمم لا حصر لها إلى أن ينتقل الانسان للرفيق الأعلى ، الدكتوراه هي مفتاح التواضع فالطالب قبل التخرج يكون دائم الاحتكاك بغيره من الباحثين أو حاملي الشهادة والغالب يجد حرجا من مناقشتهم لكونه لا يزال طالبا فيتواضع ولا يقاطع ويجامل ولو ادرك تمام الادراك أنه على صواب! لماذا يفعل ذلك لأنه تواضع للعلم وبحث عن المعلومة أليس من باب الأولى أن يزداد التواضع بعد الحصول على هذه الدرجة!

أعزائي المتفشخرين بشهاداتكم إما أن تثبوا أنكم تستحقون هذه الفشخرة من خلال انتاجكم العلمي ومساهماتكم البحثية الحقيقية، وأقصد هنا بالحقيقية تلك التي يعجب بها أقرانك واساتذتك في الحقل العلمي الذي تعمل به وليس عامة الناس الذين لا يفهمون بعمق ما كتبت فتعجبهم أفكارك وان كانت سطحية ويمتدحونها ، ارتقاؤك بذاتك يا من حصلت علي شهادة الدكتوراه هو ارتقاء للمجتمع لأنك قدوة ونموذج للكثير من الطلاب الذين تحتك بهم ، انتاجك العلمي هو تطوير لبلدك وللجيل القادم فاحرص على البحث الذي تجد فيه نفسك ويجد بلدك من ورائه منفعه ولا تكتب لكي تترقى فقط! نحتاج لحملة دكتوراه لا لحملة فشخرة وثياب مزخرفة وعقول فارغة!

هناك 4 تعليقات:

مشاركة مميزة

إلى لقاءٍ يا فهد

    الموت هو ذلك الزائر الذي لا يقوى عليه أحد من البشر! ، يأتي للمستبد المتجبر فيسلب منه روحه دون مقاومة أو حرب! وهو ذاته الذي يز...