الأربعاء، 31 ديسمبر 2014

ديك الفلاسفة والعام الجديد !




منذ ثلاثة أيام وأنا أشحذ همة قلمي ليكتب مقالا ألمعيا صاخبا جميلا رائعا إحتفاءا بقدوم العام ، ومرت الثلاثة أيام وقلمي مسنون مستعد لكن دون رغبة عقلية في الكتابة ، جافتني قريحتي يا كرام لثلاثة أيام واليوم عندما أصبحت ذهبت للرزنامة فوجدتها فارغة من الأوراق فجعني منظرها عارية أين هي تلك الأوراق المتكدسة وي كأن يوم شرائها كان البارحة ، أخرجت جهاز الهاتف النقال لأتأكد من تاريخ اليوم فوجدت أننا لا زلنا في الحادي والثلاثين من شهر ديسمبر 2014.

لماذا نكتب عن العام الجديد ، وما هو الفارق بين العام القادم والسنة المنصرمة والأيام الحالية ، لا فرق كلها أيام بأربعة وعشرين ساعة هذا عند أهل المنطق أما عندنا بني البشر ، فيوم بعام وعام بيوم بحسب ما نمر به من أحداث ومشاعر ، غالبنا خطط وكتب أهدافا يرغب في تحقيقها واليوم هو يوم التقييم والأربع والعشرون ساعة القادمة هي ساعات الميزان .


الكثير منا يستصغر انجازاته ويجلد ذاته لأنه لم يحقق انجازا كالذي وصل له العالم الفلاني أو الأديب العلاني ، فمن أنشأ مدونة وبدأ يكتب فيها مقالاته وينثر أفكاره فهذا بحد ذاته انجاز ، فلا يعتقد أحد أنه إن كتب فإن نوبل للآداب ستكون من نصيبه ، أحب الأدباء إلى قلبي الشيخ علي الطنطاوي لم يأخذ نوبل للآداب لكنه حاز على تقدير نبلاء كثر في حياته وحتى بعد وفاته فمن يطلع على موقعه أو صفحته على الفيس بوك وتويتر يجد عظم أثره ورسوخ أدبه ولم يزره رحمه الله بابا نويل في حياته ليعطيه جائزة نوبل لكن حب مئات الآلاف من الناس ناله في حياته وبعد مماته وهذا لعمري الهدف البعيد.



الساعات والدقائق التي مرت علينا العام الماضي سجلت في صحائفنا بلا شك ، لكن ليتنا نحصي عدد ما مر بنا من وقت سعيد ضحكنا فيه حتى استلقينا على ظهورنا ، مواقف أفرحتنا حتى بللت الأهداب وسكبت الدمع ، ساعات قضيناها على السرير وتمتعنا بنوم هانئ جميل ، لا تستصغروا أي أمر فليس كل ما يسعدني يسعد غيري ، انت تفرح بالهدية وغيرك يفرح بالكلمة وآخر يدخل السرور قلبه بالنظره فلا ننظر لما لدى الآخرين ونبدأ بتقييم أنفسنا على أساسه .

لنكن أصحاب قرار ومبادئ نأخذ ما نقتنع به من الآخرين ولا نمَكِن الآخرين من عقولنا ، أهدافنا يجب أن تقوم على أساس قناعتنا بها وحبنا لها وإلا لن نصل إليها وربما إن وصلنا قلنا يا الله لماذا لم أجد السعادة بينما وجدها فلان صاحبي؟ ، والإجابة بسيطة لأنك لست فلانا بل أنت تقمصت شخصيته فضعت كما ضيع الغراب مشيته.

بعد أن نقيّم العام المنصرم ونستفيد من عثراتنا ونضع أيدينا على مثالب التخطيط ، ليتنا لا نكون كالحمار الذي يجري بأقسى سرعة ويبذل قصارى جهده ليصل للجزرة المعلقة أمامه ، فحمارنا المسكين لن يصل للجرزة ولو شرب البانزين بدل أكل الشعير ، ولكن لنكن كصاحب الحمار الذي يعرف إلى أين المسير ويُسيّر الحمير ليصل إلى الهدف المنشود.

كلنا مختلفون قد نتشابهه في الأهداف الكبيرة لكننا مختلفون في التفاصيل الصغيره ، ولعل حالنا أشبه بمن حجز تذكرة على متن الطائرة فبعضنا يهمه السعر فيبحث عن أرخص الأسعار وأردء الطائرات وبعضنا يبحث عن الراحة فيجلس في الدرجة الأولى ، وآخرون ليس لهم حظ ولا نصيب يجلسون في أي مكان تسيرهم الظروف ، أما العقلاء فهم من يختارون الوقت المناسب للرحلة بالسعر المناسب إلى المكان المناسب، وما يحدث بعد إقلاع الطائرة فهو بيد الله ومن قضاءه وقدره ، فمنا من يصل بسلاسه ويسر ، ومنا من تتعطل طائرته في المطار فتلغى رحلته وهناك من يتعرض لمطبات هوائية تعلمه كيف يلجأ إلى الله ويتقرب منه ، وآخرون تسقط طائرتهم فينتهي حلمهم الدنيوي ويبدأ خلودهم الأخروي .

أكاد أجزم أن الجميع يبحث عن السعادة ، فما هي السعادة ومن هو السعيد وهل للسعادة معايير معينة ، لن أتحدث عن سعادة الكبار والصغار فكثير من الكتاب تحدثوا عنها ، لكني سأتحدث عن سعادة من يعيش في صعيد مصر ومن يعيش في ناطحات السحاب في لندن ونيويورك ، قد زرت الصعيد من قبل وسعدت بزيارة سوهاج ووجدتها بسيطة جدا لكني وجدت عمق المشاعر هناك وشاهدت السعادة مرسومة على وجوه الكثير ممن قابلتهم ، ودرست في بريطانيا وشاهدت الوجوم والتعب على جوه الكثيرين أيضا .


لن أكون منصفا إن قلت أن أهل الصعيد كلهم سعداء أو أهل بريطانيا كلهم تعساء لكنني أدركت أن القانع منهم هو السعيد ، والقناعة هنا لا تعني التواكل والرضا بالحال ، ولكنها تعني الاستعداد لاقتناص الفرصة متى ما سنحت ، فلسنا دراويش نرضى بأقل الأشياء كلا ، بل نحن طموحون نعيش قناعة أهل الصعيد في ناطحات سحاب نيويورك ولندن متى ما قدرنا على ذلك.


الفيلسوف الألماني "كانت" كان يحب أن يكتب بقرب النافذه ولكنّ ديك جاره يزعجة ويصيح في كل وقت ، غضب الفيلسوف حتى صار الديك أحد أسباب تعاسة "كانت" ، عندها طلب من خادمه أن يذهب للجار فيشتري منه الديك بأغلى الأثمان ذهب الخادم وفي تلك الأثناء زار "كانت" صديق له فبدأ يسأله عن حاله والفيلسوف يرد عليه أن مشاكلي قد انتهت اليوم فلقد ذبحت الديك ، حان الغداء وعندما شاهد "كانت" الديك محمراً على مائدته ضحك بنشوة المنتصر وقبل أن يهم بالأكل سمع صياح الديك من النافذه ، غضب واستدعى الخادم وسأله هل اشترى الديك فقال له أن جاره رفض بيع الديك فاشترى ديكا من السوق ، وعندها قال الضيف للفيلسوف هل تصدق أنني طوال فترة الحديث معك كنت أسمع صياح الديك ولا تسمعه أنت؟!.

المنغصات في حياتنا كصوت الديك الذي نحرص نحن على سماعه لكننا لو تناسيناه وغضضنا الطرف عنه لعشنا في سعادة طالما أن صوت الديك ليس مضراً ولا قاتلاً ولنكن كالعظماء كما قال امبرطور الشعراء:
وتكبر في عين الصغير صغارها / وتصغر في عين العظيم العظائم.

وقبل أن أختم لابد من التذكير بأن السعادة في العمل والأهداف والخطط ، الانجاز بحد ذاته أحد مصادر السعادة وليس ضروريا أن يكون انجازك هو حصولك على جوائز عالمية أو شهادات فخرية ، انجازك يكون وفق امكاناتك وطموحاتك وخططك ، لا يمكن لأحد في هذا العالم أن يجبرك على أن تكون سعيدا أو منجزا أو صاحب همه أنت وحدك القادر على فعل كل هذا. يقول المثل الانجليزي قد تستطيع أن تجبر حصانا أن يذهب للنهر لكنك لن تسطيع أن تجبره أن يشرب منه! . استمتع بلحظتك واجعل هي لحظة التغيير فأمامك عام جميل بقناعاتك واقتناعك تجعله سعيدا وبتخطيطك تضفي عليه الرضا وبعزمك وهمتك ينالك فيه التقدير.

كل عام وأنتم بخير ... كل عام والسعادة تغزو قلوبكم ... كل عام وأنتم تخططون لأنفسكم .... كل عام
وعظائم الأمور صغائر في عيونكم ... كل عام وأنتم من تقودون عربة حياتكم... كل عام والجميع بخير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

إلى لقاءٍ يا فهد

    الموت هو ذلك الزائر الذي لا يقوى عليه أحد من البشر! ، يأتي للمستبد المتجبر فيسلب منه روحه دون مقاومة أو حرب! وهو ذاته الذي يز...