الأعياد هي أيام الفرح والسرور التي تحل على قلوبنا. فكل يوم يسعد فيه الإنسان يعتبر عيدا ، وفي ثقافتنا المحلية يقال «هذا يوم عيد اللي شفناك فيه» أي من فرط سعادتنا برؤيتك أحسسنا أن اليوم عيد لأن العيد مشتق من يعود، وكلما عادت السعادة عاد العيد معها.
العقول لها أعياد تتوزع في شهور العام على دول كثيرة فلا حاجة للاختلاف في رؤية الهلال ولا استخدام العدسات المكبرة،يجد العقل عيده في كل معرض للكتاب فما أجمل الالتقاء بالكتب وتلمس صفحاتها والجلوس معها في الخلوات نتأملها ونتدبر ما فيها.
لماذا نزور معرض الكتاب وماذا نستفيد من وراء تلك الزيارة، سؤال يردده الناس هذه الأيام، أما الشق الأول من السؤال فلا جواب له عندي فكل إنسان يعرف مغزى هدفه من الزيارة وأما ماذا نستفيد فالفوائد لا تعد ولا تحصى أولها دخول محراب العلم والتجول في عقول الرجال فما من شيء ألذ للمرء من التنزه في عقول الرجال كما قال الخليفة المأمون.
معرض الكتاب كرنفال كبير تجتمع فيه عقول الأحياء والأموات، فيه تعاد الحياة لحضارات بادت وطقوس زالت، معرض الكتاب زيارة لكل العالم وأنت في مكانك فهنا وجدت سيرة حياة عظيم وهناك كتابا عن بلد بعيد وهنالك رواية تروي ثقافة شعب غريب.
دخلنا وتأملنا وتجولنا في المعرض ثم ماذا؟ بكل بساطة نبدأ باقتناء الكتب والسؤال هنا هل أقرأ ما يمتدحه لِيَ الآخرون؟ أم أختار بنفسي؟ تساؤلات مشروعة والأصل أن تختار بنفسك من خلال تزكيات الآخرين أي أنك تحاول تسجيل اقتراحات الآخرين على ورقة ثم تبدأ في البحث عنها وكلما وجدت كتابا منها طالع فهرسه واقرأ النبذة عنه إن وجدت ثم افتحه بشكل عشوائي وحاول قراءة أسلوب الكاتب فإن راق لك فخذه وهنيئا لك به،أما أن تشتري كل ما يقوله لك الآخرون فأنت كمن أوقف حاول تقسيم مشترياتك من الكتب إلى ثلاثة أقسام أولها شراء كتب تخصصية أي في مجال اهتمامك وعملك وهذا يساعدك على تطوير ذاتك وتطوير عقلك بمواكبة الجديد والإطلاع على الأفكار والآراء المتجددة فتكسب تمرين عقلك من خلال القراءة وزيادة حصيلتك المهنية والارتقاء بذاتك.
وأما القسم الثاني فاجعله للكتب التي تُتَداول أسماؤها بين المحيطين بك، وهذا القسم لا تستعجل أبدا في اقتناء كتبه لأنك تقرأ فيه من أجل المتعة والأذواق مختلفة لأنها لو تشابهت لبارت السلع فعليك أن تبحث عن ما يعجبك لا ما يحبه الآخرون، وهناك فكرة يطرحها بعض المثقفين وهي أنك إذا لم تقرأ كتاب فلان وفلان فأنت كمن لم يقرأ شيئا وهذه الفكرة مدمرة لطموح القراء المبتدئين إذ تجدهم يسارعون في اقتناء أمهات الكتب وخصوصا الكتب التراثية ثم يتوقفون عن القراءة نهائيا لأنهم وجدوا صعوبة في فهم ما كانوا يقرؤون.
والقسم الأخير من الكتب التي تشتريها، هي تلك التي تعجبك وأنت تتجول في المعرض فأنت هناك كالغواص يستكشف أعماق المكتبات باحثا عن اللؤلؤ،فقد تجد رواية راقية أو كتاب شعر بديع وربما تجد أدبا رفيعا أو فلسفة متنورة وفي أحيان كثيرة تجد سيرا عطرة لعظماء تميزوا في حياتهم وأفادونا بعد مماتهم.
البعض يسخر ممن يقرأ الرواية ويجد أن قراءة الرواية أمر سخيف ومضيعة للوقت، ومن يقول بهذا القول فهو إما لم يقرأ رواية هادفة راقية من قبل أو ممن يقلدون آخرين بدون تفكير، الرواية يا سادتي ليست غزلا وحبا ينتهي بهروب الحبيبين، إذا كانت هذه الرواية فأين تذهب «النظرات» و»ما جدولين» للمنفلوطي و«الحرافيش» لنجيب محفوظ و«سمرقند» لأمين معلوف و«الحرب والسلام» لليوتولستوي و«مدن الملح» لعبدالرحمن منيف وأخيرا «عزازيل» ليوسف زيدان!
الرواية هي حديقة القراءة فبعد العمل الشاق في الكتب التخصصية والقراءة الجامدة يحتاج القارىء لفترة راحة يكسر بها غلظة وجديّة المؤلفين الباحثين المتخصصين، فقراءة الرواية تنقلك بين المروج الخضراء لتستنشق عبق الزهور وتشاهد جمال الطبيعة الفكرية، الرواية هي مَصيف المثقفين ومكان راحتهم.
خلال تجوالك في المعرض احرص على تشجيع المؤلفين الجدد عندما تجدهم يوقعون كتبهم وشريحة المؤلفين المقصودة هنا هي الشريحة التي قدمت شيئا للثقافة لا تلك التي لا تحسن سوى الابتسامة والتصوير،مثل هؤلاء متطفلون على الثقافة فلا تدعموهم ورحم الله امرءا مر بقربهم فدعا الله أن يصرفهم.
لا تشتر الكتب وتضعها على رفوف المكتبة فأنت ترتكب جريمة في حقها كما يقول راي باردبوري «هناك جريمة أكبر من جريمة حرق الكتب، ألا وهي جريمة عدم قراءتها» عليك أن تخصص جزءا من وقتك كل يوم للقراءة وأفضل الطرق هي كتابة اسم الكتاب المراد قراءته على ورقة وكذلك عدد الصفحات فلو افترضنا جدلا أنك تقرأ ثلاثين ورقة كل يوم فأنت تقرأ عشرة ألاف ورقة في السنة أي ما يعادل 70 كتابا تقريبا كل عام!
لا تجبر نفسك على القراءة أبدا، ابحث عن مزاجك خلال اليوم استغله في القراءة فالإجبار لا يخرج لنا مثقفا بل يخرج لنا آلة تقرأ ولا تعي، وليكن بقربك قلم فتضع خطا تحت ما أعجبك من العبارات وكلام المؤلف وتناقش المؤلف على الهامش واصبر على صعوبة بعض الكتب فالقراءة كالتمارين الرياضية تشعر مع مرور الوقت بالتحسن واللياقة العالية فالاستمرار في القراءة ينقلها من هواية لتصبح عادة لا يستغني عنها المثقف في يومه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق