يحكى أن جاهلاً يمتلك صوتاً عالياً عنده كلب سمين صوت نباحه يصُم الآذان ،
تعود الجاهل أن يلبس قناعاً فهو جبانٌ لا يستطيع المواجهه وليس له من أخلاق
الفروسية شيء ، عاش الجاهل سنوات عديدة يطعم كلبه ويسمّنه وحينما يمر أحد بقرب
بيته يطلب من الكلب أن ينبح وينبح ليخيف المارة.
يوماً بعد يوم وعام يتلوه عام صار هذا الكلب حديث القرية فهو عجيب غريب
ينبح على بعض المارة ويترك آخرين استغرب الناس من هذا التصرف فالكلب لا عقل له ولا
يفكر ! اذا كيف يختار الكلب هذه ظاهره غريبة تستحق الدراسة!
بدأ بعض العقلاء في القرية متابعة الكلب ودراسة حالته فوجدوا أن صاحبه قد
درّبه بأن ينبح اذا شاهد رجلاً يرتدي عمامة حمراء أو سيدةً تلبس البرقع ، أما اذا
مر بقربه من يرتدي العمامة البيضاء أو من تكشف وجهها وربما شعرها فهو لا يروّعهم!
شيء غريب عجيب.
ذهب العقلاء لمجلس حكماء القرية وطالبوهم بتطبيق قانون القرية على الكلب
فهو سببٌ في ترويع الآمنين وتفريق المجتمع،ضحك بعض أعضاء مجلس الحكماء وقالوا هل
تجعلون من الكلب قضية القرية الأولى اتركوه ينبح فلن يضر أحد أو لعلكم تطلبون من
اصحاب العمائم الحمراء سد آذانهم فهو ليس سوى كلب! ، لم يقتنع العقلاء بهذا الكلام
فقد أدركوا أن الجاهل المقنع هو السبب الرئيسي في المشكلة كرهه لفئة من سكان القرية
أعماه ولذلك يحاول تفريق القرية شيعاً ليفرّقهم فتكون له السيادة.
لم يكتفي سيد الكلب بكلبه بل اشترى كلبا آخر ودرّبه لينبح كصاحبه، رجع
العقلاء لمجلس الحكماء فقالوا لهم أن الكلاب ستجبر بعض السفهاء وأصحاب العقول
الصغيرة أن يفعلوا مالا تحمد عقباه! لكن مجلس الحكماء هذه المرة انقسم ودب الخلاف
فيه فصار بعضهم مؤيداً للكلب وبعضهم لا يريده ، فقام العقلاء بطرح حلٍ بسيط طبقوا
قانون القرية على الكلب والقانون ينص على حجزه في غرفة مظلمة لا يرى فيها أحد رفض
بعض الحكماء بدعوى حقوق الحيوان وآخرون بحجة حرية الكلب في النباح وهو ما حيّر
العقلاء القانون واضح أي كلب يؤذي سكان القرية ويسبب خدشاً في العلاقة بين
مكوناتها يجب أن يدخل الغرفة المظلمة!
يأس العقلاء من مجلس الحكماء فصاروا يطوفون على مجالس أهل القرية يحذرون
أهل العمائم الحمراء من مؤامرة ضدهم ويطلبون من أصحاب العمائم البيضاء الوقوف مع
أهل قريتهم وهذا ما كان فقد اجتمع أهل العمائم كلهم في ساحة "اللقاء"
وطالبوا زعيم القرية بحلّ مجلس الحكماء الذي يطبق قوانين القرية بمزاجية ، وكان
لهم ما أرادوا واجتمع العقلاء مع الجميع محاولين افهامهم أن مجلس الحكماء دوره مهم
ولذلك عليهم أن يتحدوا ويخرجوا حكماء يرتقون بالقرية ولكنهم فشلوا لأن الكثير ممن
اجتمعوا في ساحة اللقاء فكروا في مصالحهم الشخصية.
بدأت مرحلة الاستعدادات لاختيار مجلس الحكماء وهنا حدثت الطامة الكبرى!
الجاهل المقنّع يريد أن يسجل الكلبين كمتنافسين مع البشر! هل يعقل ان يدخل الكلبان
مجلس الحكماء ثار العقلاء وأصحاب العمائم لكن دون جدوى في قانون القرية ثغرةٌ
واضحة تنص على
"يحق لكل كائنٍ حي أن يدخل السباق على مقاعد مجلس الحكماء"!
الغريب في الأمر أن الجاهل نجح في استقطاب عدد من السذج للتصويت للكلبين!
ومع الأيام زادت شعبية الكلبين وحار العقلاء ونفذت منهم الأفكار وزاد النباح وبدت
أنياب الكلبين واضحه بل تطور الأمر الى حد محاولة الكلبين مهاجمه اصحاب العمائم
الحمراء ومن يقف معهم من أهل العمائم البيض فطالب العقلاء الناس بالهدوء لكن أحد
الكلاب عض رجلاً عمامته حمراء فثار بعض أصحابه وذهبوا وعضوا الكلب واحرقوا منزله
الخشبي!
ذُهل العقلاء من ردة الفعل هذه وأصابتهم الدهشة حينما وجدوا بعض أصحاب
العمائم يؤيدون من عض الكلب ويباركون فعلته وحينما أدرك العقلاء أن الجاهل المقتنع
قد وصل لحاجته وسهل الطريق أمامه فمن السهل تقبل أن كلباً عض انسانا لكن من الصعب
العكس!
يحاول العقلاء حالياً أن يجمعوا شتاتهم وينشروا بين اصحاب العمائم الحمراء
والبيضاء أن خصمهم لا يريد مجلس حكماء خصمهم لا يريدهم متحدين المقنع الجاهل يريد
قريةً فيها أسياد وعبيد ومن جُبنِه لا يستطيع قول ذلك بصراحة على الرغم من كل
امكانياته ونفوذه فآثر أن يستخدم قاعدة الاستبداد الشهيرة "فرّق تسد!" ،
وهو الآن يحاول سن قاعدة جديدة " أطلق كلبك وسيعضه بعضهم!".
وضع العقلاء اعلانا على باب مسجد القرية
يقول "أنت ستشارك في اختيار أعضاء
مجلس الحكماء فلا تدلي بشهادتك للكلب ولا لمن عض الكلب فكلاهما في ميزان الجنون
سواء ، وأكثروا من الدعاء بأن يكتب الله الخير للقرية ويُطبق قانون القرية على
الكلب وصاحبه ومن عض الكلب وأحرق منزله!".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق