الجمعة، 22 سبتمبر 2017

عاد الخريف فمتى يأتي الربيع!

هل الوداع حكايه أم انه جرح طرى ، او انه غصن رطيب صار ايّبس واعترى ، هو العيون تلألأت بدموع شوق كالثرى،هو القلوب تجمدت وتصلبت فيها العرى،لالا أظن بأنه حبَ تأجل وانطوى،فلا هو الشوق الخفي ولاهو وردٌ يُرى، بل إنه سهم رماه في محيانا الكرى ، وكأننا من بعده صرنا خيالا بل دمى.

لماذا يكون هناك لقاء ووداع ولماذا يكون بعد الوداع شوق للقاء ، هل هي الطبيعه الانسانيه أم أن الأمر فطري ليس لنا يد فيه ، هل اللقاء هو بلسم شفاء لجروح خلفها وداع سابق وكيف يكون اللقاء دون وداع قبله هل له نفس اللذة وفيه الاحساس نفسه.


الوداع أنواع والفراق أشكال والمشاعر في كل نوع تختلف عن غيرها ، ولذلك ليس دائما يكون المودِعُ حزيناً ولا حتى المودَع ، وهناك وداع يخرج منه كل طرف وقد نسي قلبه ومشاعره مع من ودع ، وللوداع بصمات في حياتنا وله محطات ومسارات وفيه آهات وعبرات ومنه عِبرٌ ودورس وإليه مرجع كل انسان فكلنا ذاك المودَعُ في يوم من الأيام.


وقد يشعر القارئ أنني أتحدث عن وداع الإنسان فقط كالحبيب والقريب والوالد والأخ وغيرهم ممن رثاهم الشعراء أو بكى على فراقهم الأدباء ورسم ذكراهم الرسامون. لا يا سادة لست أتحدث عن وداع البشر فقط ولن أرثي صخرا كما رثته الخنساء أو اكتب كما كتب ابن زيدون وابن عامر في ولاده أو حب شعراء وأدباء القرن المنصرم لمي زياده! بل لن أرسم المونوليزا كما فعل بيكاسو. أتحدث هنا عن المشاعر ذاتها مشاعر الوداع لمن تحب واتساءل هل هي قابله للنسيان والمحو؟ أو هل هي قابلة للتطوير والدفع؟ وربما تكون قابلة للتطوير حتى تصل للنسيان!


لماذا نشعر بفراق من لا ينتمي لنا ؟ وهنا أعني أن نقابل من لا يمت لنا بصلة ونجلس معه حتى يصبح جزءا منا ثم لا نستطيع نزعة ولا التخلص منه وإن حاولنا. الغربة ليست غربة الجسد وليست أيضا مفارقة الأهل والولد الغربة هي ذاك الشعور الذي يتلبس الإنسان ويسيطر عليه فيصبح دون روح وهو في بلده ووسط اهله. 


أصعب أنواع الفراق هو الفراق العقلي! فهذا الفراق قاتل أبد الدهر لأنه لا يترك لك مجال فالعقل إن كان يمتلك الأسس المنطقية في التفكير أو بعضها صعب عليه أن ينسى أو يتناسى أو حتى يتغافل. وهنا علي توضيح فكرة مهمة الحديث حول فراق بيئة عقلية ، سأضرب عليها مثالا في الفقرة القادمة، إلى بيئة مستواها العقلي والفكري أقل. 


قبل ذهابي لدراسة الدكتوراه في اكستر كنت قد ألفت حياتنا العلمية في الخليج العربي، طريقة التفكير السائد حتى اللحظة في جامعاتنا ومجالس مثقفينا. وأنا هنا اتحدث عن التخصصات الأدبية تحديدا، فالبيئة التي عايشتها ولا تزال فيما أعتقد موجوده في هذه التخصصات همها التكرار والحفظ وكثرة التحليل القائم على ما في الكتب التي كتبت. وحتى تتضح الفكرة أكثر سأتحدث عن تخصصي ، التاريخ، لازلت اسمع في مجالس محبي التاريخ من اكاديميين ومثقفين طريقة نمطيه في تكرار النصوص وحواراتهم في الغالب قائمة على ما يسمى بمغالطة رجل القش! حيث يقوم طرف بإعادة صياغة حجة من يقابله بطريقة تخرجها من أصلها وتسهل عليه نقضها ويجعلك تشعر بأن تحاور انسانا لا يفهم في التخصص شيئا لكنه في حقيقة الأمر يفهم ولكن لا يمتلك الأدوات ولا الفكر الصحيح لمقارعة الحجه. وهناك في الحوارات أيضا مغالطه أخرى وهي التي تسمى بالإنجليزية Argument from Authority هذه المغالطة في التاريخ الحديث أكثر وضوحا حيث يعزو أحد الأطراف صحة فكرته لوثيقة أو كتاب له اعتباره في الوسط الأكاديمي حتى يحصل على المرجعية لكن في ذات الوقت يكون هذا الاستشهاد قاصرا أو خاطئ. ليس هذا موضوع المقال لكن هذه الأمثلة لإيضاح مدى الغربة التي قد يعيشها أحدنا حينما يتغير عليه النمط الفكري الصحيح الذي اعتاد عليه.


نعود لفكرة المقال الأصليه لماذا نشعر بالإغتراب في أوطاننا خصوصا الإغتراب العقلي الفكري ، والسؤال الأهم ولم أجد له تفسيرا منطقيا حتى اللحظة! لماذا لا يحاول من يشعر بالغربة الفكرية وسط مجتمعه ووطنه أن يغير النمط الفكري الخطأ ويحاول تصحيح المسار من خلال تنوير مجتمعه؟ اكاد أجزم أن من يصل للإغتراب الفكري في وطنه ومجتمعه هو بالضرورة مثقف متعلم إذ أن الغربة الروحية قد تحصل للكثيرين دون الإلتفات للعقل لكن الغربة الفكرية لا تحدث إلا لمن ذاق حلاوة العلم والفكر وبدأ يستخدم وسائل تفكير جديدة كشفت له الخلل في بيئته.


الفراق مؤلم والغربة أشد ألما من الفراق لأنها ابدية إلى اشعار آخر! فالفراق قد يمسح آثاره الزمن أو لقاء من تجد فيه سمات من فارقت أما الغربة فتكاد تكون كالندبة التي تضع أحمالها على جسد أحدنا ولا تفارقه أبد العمر إلا بعمليات تجميليه. أذكر أنني قد ناقشت هذا الموضوع بشكل جزئي في كتابي أعرابي في بلاد الإنجليز حين ذكرت 

 "الغربة هي غربة الروح و إن كنا في وسط بلداننا .. فكم من غريب يعيش في بيته .. لا يحتاج أحدٌ للطيران مسافات طويلة لكي يعيش التجربة , يكفيه أن يعتنق أفكاراً لا يتقبلها من هم حوله , ليرى كيف يتحول إلى غريب , فالغربة غربة الجسد و الروح معاً و قد تكون للروح فقط."

واليوم أخالف هذه المقولة بشكل كبير وأقول أن الغربة هي غربة العقل فالروح قد تجد مستقرا لها في العزلة لكن غربة العقل وفراقة للبيئة الصحيحة من الصعب أن يجد سلوى في مكان آخر أقل من الناحية الفكرية والعقلية للمكان الذي فارقه! البيئة الصحية يا سادتي من الصعب استبدالها وتعويضها فالنسبة لي في هذه اللحظة البيئة الصحية وأقصد من وراء هذا المصطلح البيئة التي تكون أقرب للكمال ومبنيه على أسس منطقية وعقلانية من الصعب تعويضها خصوصا إن انتقل الانسان لبيئة ليس لها قوانين واضحه وإن وجدت هذه القوانين فغالبا تكون مبنيه بطريقة غير علمية!



يا أيها الغرباء ليس لكم سوى الصبر فهو السلوى وهو الملاذ فإذا تسلحتم بالصبر فلا تغفلوا عن تطوير الذات حتى تتمكنوا من الخروج من المستنقع الذي تعيشون فيه فمتى ما استسلمت زادت الأحمال عليكم وألفتم العيش في الطين وقلة الحركة حتى تموتوا وأنتم أحياء!


شوارد:


"وهذه هي سنّة الكون... يومٌ يحملك ويومٌ تحمله"




لا أعرف قائلها






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

إلى لقاءٍ يا فهد

    الموت هو ذلك الزائر الذي لا يقوى عليه أحد من البشر! ، يأتي للمستبد المتجبر فيسلب منه روحه دون مقاومة أو حرب! وهو ذاته الذي يز...