السبت، 16 يناير 2016

أراذل المثقفين


قضية الإعدامات التي حصلت في المملكة العربية السعودية الأسبوع الفائت أخرجت للعلن مجموعة من المشاكل الاجتماعية التي على الدولة التعامل معها بحزم من خلال وزارات التربية والداخلية والأوقاف، مفهوم المواطنة في الدول القطرية أصبح مفهوما مطاطيا يصعب التعامل معه، إذ إنه في أحيان كثيرة ينقطع وأحياناً أخرى يرتد علينا كمجتمع بقوة فيؤلمنا.
من شاهد ردة فعل المثقفين والسياسيين والعامة في "تويتر"، وتابعها يصاب بالصدمة من هول ما يشاهد، قضية داخلية في بلد شقيق مجاور تمت وفق قوانين هذا البلد، وراعت مصالح المملكة العربية السعودية السياسية، بل نفذ حكم الإعدام بجميع من دانهم القانون شيعة كانوا أم سنة.
المحاكمة ليست قضية مقالي، إنما فقط أود قطع الطريق على من يقتطع النصوص ويجيرها لمصلحته، نعود لقضيتنا الرئيسة حول ردة فعل الكويتيين تجاه قضية الإعدام، فردة الفعل هذه ليست جديدة علينا في الكويت، فعلى الجانبين السني والشيعي هناك أحداث كثيرة مرت على مجتمعنا، وهي لا تخصنا مباشرة وثارت ثائرتنا كشعب، أبرزها صلاة الغائب على بن لادن، وكذلك تأبين مغنية، وشحادة، وغيرها الكثير الكثير. السؤال الذي أحاول أن أجد إجابة وافية شافية له، لماذا نتناحر ونخرج بعضنا من دائرة المواطنة على قضية سياسية لا دينية؟ فلو كان إعدام نمر النمر بسبب عقيدته "الشيعية" لكان الأمر مفهوما، ولما لام أحد نواب مجلس الأمة من طائفة نمر عندما ثارت حميتهم، فأصحاب العقائد يثورون عندما تمس عقائدهم، لكن في قضية نمر تحديدا لم أجد شيئا يمس عقيدة الشيعة، بل بالعكس وجدت تسجيلات للنمر تمس مباشرة عقيدة المؤمنين من أهل السنة والجماعة، وهي من أساس عقيدته لكنه لم يعدم بسببها. آراء النمر السياسية نختلف ونتفق معها كما هي الحال في الكويت عندما نجد سياسيا يتكلم بمبادئ نؤمن بها نؤيده، وإن كان يخالفنا في العقيدة، بل لو كان على غير ديننا؛ لأن الأمور السياسية في النهاية هي مجرد رأي وعلى كل مؤمن بحقوق التعبير عن الرأي أن يكفل لمخالفيه حقهم في التعبير في إطار الاحترام والقانون.
الإشكال الأكبر بالنسبة إلى عقلي أن من خرج يدافع عن نمر النمر كأحد منظري "حراك الربيع الخليجي" هم ذاتهم الذين امتنعوا عن المشاركة في المظاهرات التي حصلت في الكويت باسم "الربيع الخليجي"، والذي لم أفهمه نهائيا هو تبريرهم قتل رجال الأمن في السعودية بتحريض مسجل من نمر النمر، وفي الوقت ذاته يبررون لبشار الأسد في سورية قتله لمن يقاتله أو يحرض على قتاله، وهو أمر عجيب خصوصا أن نمر ذاته هاجم نظام بشار ووصفه بالظالم في تسجيل له! بل الأعجب أن هناك من الجانب السني من أرعد وأزبد ودافع عن الـ٤٧ واعتبر إعدامهم من قضايا حرية التعبير عن الرأي، وهم ذاتهم من صفق لقمع الإخوان المسلمين في مصر لاختلافهم معهم فكريا! أما الذي لم أستطع فهمه نهائياً بصراحة فهو آراء بعض نواب الأكثرية الذين يطالبون الحكومة الكويتية بقرارات تجاه المواطنين الكويتيين ويتوعدونها بالمحاسبة إذا لم تنفذ مطالبهم، وهم في عام ٢٠١١ وما بعده لديهم مواقف متناقضة مع دعواهم هذه.
حديثي موجه لك أيها المواطن في أي بلد عربي كنت، انتبه من أصحاب المصالح الضيقة والمآرب الشخصية، سواء كانوا سياسيين أو مفكرين أو رجال دين... فهم يعتمدون على ثلاثة أمور للتأثير عليك: الأول قصر عمر ذاكرتك في تتبع مواقفهم، والثاني التأثير على الجانب العاطفي فيك من خلال إشعال جذوة الطائفية والقبلية والجاهلية، أما الأمر الأخير فهم يعتمدون على ضعف ثقافتنا وقلة قراءتنا واعتمادنا على ما يقولون، ولذلك ربما تجد اثنين منهم يستخدمان الدليل ذاته في مواقف مختلفة للحصول على شيء واحد، وهو مصالحهم الخاصة!
شوارد:
"إن الاستعمار الثقافي حريص على إنشاء أجيال فارغة لا تنطلق من مبدأ ولا تنتهي لغاية، يكفي أن تحركها الغرائز التي تحرك الحيوان مع قليل أو كثير من المعارف النظرية، التي لا تعلو بها همّة ولا يتنضّر بها جبين، وأغلب شعوب العالم الثالث من هذا الصنف الهابط".                  (محمد الغزالي)



http://www.aljarida.com/news/index/2012792892/ترانيم-أعرابي--أراذل-المثقفين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

إلى لقاءٍ يا فهد

    الموت هو ذلك الزائر الذي لا يقوى عليه أحد من البشر! ، يأتي للمستبد المتجبر فيسلب منه روحه دون مقاومة أو حرب! وهو ذاته الذي يز...